أنت. قل: ومن يعصِ اللهَ ورسولَه فقد غوى". فكيف أتى بالضمير في الحديث، وقد مَنَع الغيرَ منه؟ قلتُ: قيل إنما مَنَع الخطيب، لأن حال الخطيب يقتضي الإيضاحَ لا الرُّموزَ. وهذا ليس بشيء؛ إذ الخطيب أجرى الكلام على مقتضى ظاهر الحال، ولا رَمْز في ذلك، وإنما ردّ عليه لكون الجمع في الضمير مُخِلًّا بإجلال الله. وقيل: الإتيان بالضمير يمتنع من غيره لا منه وهذا من النمط الأول؛ لأن الغرضَ من الإفراد بالذكر إذا كان إجلال الله فهو أَوْلى برعايته ذلك من غيره، لأنه أبلغُ الناسِ، وأعرفُ بكبرياء الله تعالى. وقيل: إنما آثَرَ الضميرَ، لأنَّ المعتبر مجموع المحبين، إذ كل واحدة وحدها ضائعة بخلاف العصيان، فإن عصيان كلّ واحد منهما مستقل بالغواية. وهذا الكلام أيضًا من ذلك النمط، إذ المعنى لا تفاوُتَ في العطف والضمير ألا ترى أن أهل العربية قالوا: قولك: جاءني الرجلان في قوة قولك: جاءني رجلٌ ورجل. وإنما فائدة لفظ التثنية: الاختصارُ، على أن قوله: كل واحد من المحبتين ضائعة وحدها إنما يُتصوران أَنْ لو كان انفراد محبة الله عن محبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبالعكس ممكنًا. وهذا مُحالٌ. ألا ترى إلى قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)}[آل عمران: ٣١] كيف أثبتَ المُلَازمةَ؟ وقولِهِ:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}[التوبة: ٦٢] كيف أفرد الضمير إلى رسوله دلالةً على أن رضاه رضا الله تعالى.
فإن قلتَ: فما الجوابُ عن الإشكال؟ قلتُ: الواقع في كلام الخطيب جملتان، فأشار إلى أن التعظيم يقتضي الإفراد بالذكر في كل جملة. وأما الواقع في كلامه جملة واحدة، وقد أفرده بالذكر في صدرها، فلو أفرده ثانيًا ذَهَبَ سلاسة الكلام، فيكون هكذا: من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سوى الله ورسوله.
فإن قلتَ: فقد جاء في سنن أبي داود: "ومن يعصهما فلا يَضُرُّ إلَّا نفسَه" وهذا -كما ترى- جملة مستقلة؟ قلتُ: ذاك من كلام الخطيب ولو سُلّم أنه من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون بيانًا للجواز حتى لا يَتَوَّهَمَ مَنْ رَدَّه على الخطيب أن ذلك الأسلوب واجب الرعاية شرعًا.
(يكرهُ أن يعودَ في الكفر كما يكره أن يُقْذَفَ في النار) الكراهةُ لا تُضَادُّ الإرادةَ، بل