للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. قَالَ «يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِى لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ،

ــ

باسمه؛ لأنه قاله على طريق الإنكار (إن يكن الله خير عبدًا) شرط حذف جزاؤه، لدلالة ما قبله عليه، ويحكى فتحُ أنْ والجزم على الشذوذ، أو على توهم إن الشرطية (إن مِنْ أمِّنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر) وفي بعض النسخ: "إن أمن الناس" بدون من، وهذه الرّواية أبلغ؛ فإنّ الأُولى يجوز اشتراك غيره معه، ويحتاج إلى تقديرا ضمير الشأن، أو جعل اسم إن منْ؛ لأنه بمعنى البعض. قال ابن الأثير: الأَمَنّ أفعل التفضيل من المنّ وهو العطاء لا مِنَ المنة وهو الاعتداد بالإحسان والتفضّل؛ لأنه مذموم.

قلت: لفظ المنّ أيضًا مشترك، قال تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: ٢٦٤]. (ولو كنت متخذًا من أُمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا) الخليل: فعيل بمعنى الفاعل، كالجليس بمعنى الجالس، وقد يكون بمعنى المفعول، والذي في الحديث هو الثاني لأن المعنى: من أُخَاللُهُ، وتمام الحديث: "ولكن صاحبكم خليل الله" يريد نفسه - صلى الله عليه وسلم -.

فإن قلت: معنى كونه خليل الله: أنّ الله اتخذه خليلًا، كقوله تعالى في إبراهيم: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: ١٢٥] وإذا كان خليلًا لله بهذا المعنى يجوز أن يكون: له خليل في الناس. قلت: أراد أنه بعدما تفضّل الله عليَّ بذلك لا ينبغي لي أن أتوجه إلى غيره بنوع من الخلة. واشتقاقه من الخلة -بضم الخاء- وهي: المحبة السّارية في خلل القلب وأعماقه بحيث لا يبقى للغير فيه مجال.

فإن قلت: هذا إنما يكون من طرف العبد، وإلا فقد اتخذ الله إبراهيم خليلًا. قلت: الأمر كذلك؛ لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن.

(ولكن أخوة الإسلام ومودته) أي: موجودة بيني وبينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>