الكتابين لذكر وقت العصر في قصتهم (فعملوا بها) أي بالتوراة (حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا) أي: كل واحد منهم، والعجز: كناية عن الموت، والقيراط: أصله قرّاط بتشديد الرّاء فأبدلت الأولى ياءً تخفيفًا كما في تقضى البازي. قال ابن الأثير: والقيراط: نصف عشر الدينار في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءًا من أربعة وعشرين جزءًا، وليس ما في الحديث ذلك المصطلح بأحد الاصطلاحين، بل نصيب ما من الثواب لا يعلمه غيره تعالى، كما قال في الحديث الآخر:"كلّ قيراطٍ مثل أحد".
(فقال أهل الكتابين: أي ربنا) أي: حرف النداء (أَعطيتَ هولاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن أكثر عملًا) استدل به أبو حنيفة على أن أوّل وقت العصر إذا صار ظل كلّ شيء مثليه، وإلا لم يكن عمل النصارى أكثر من عمل المسلمين؟ وأجاب عنه بعضهم بأن هذا مقول أهل الكتابين، فنسبة وقت العصر إنما هو إلى ما مضى من النهار كلّه، وليس بشيء؛ لأنّ كلّ طائفة تزعم أنهم أكثر عملًا بانفرادها، ومنهم من منع عدم الزيادة؛ وإن قلنا: إن أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله وانه يقطع الشبهة، وقد سألت من هو علم في علم الميقات؛ فرأيته جازمًا به؛ فلا حاجة إلى ما قيل. أحسن ما يقال: إن كلام أهل الكتابين ليس إلا في كثرة العمل، ويجوز أن يكون العمل كثيرًا، وإن كان الزمان أقل.
(قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء) إشارة إلى زائد على الأجر، والضمير له، وقيل: إلى المجموع. وفيه أن الكل وإن كان فضلًا من الله إلا أنه بعدما سمّاه أجرًا فلا وجه لإدخاله في الفضل.