فإن قلت: ما السبب في ذلك الفعل؟ قلت: الظاهر أنه يفعل ذلك لئلا يسمع الأذان لما سيأتي من أن كل شيء يسمعه يشهد للمؤذن يوم القيامة فكره ذلك، ولذلك لا يفر من تلاوة القرآن، وقيل: لأن الأذان من شعائر الإسلام، وكلا الوجهين حسن.
وفي رواية مسلم:"يذهب حتى يكون بالروحاء" والروحاء من المدينة على ستة وثلاثين ميلًا. قيل: الظاهر هذا الشيطان هو إبليس. قلت: لو كان إبليس لم يوسوس إلا إنسانًا واحدًا بل الواجب حمله على الجنس الشامل له ولذريته (فإذا قضي النداء) بضم القاف على بناء المجهول، ويروى على بناء الفاعل ونصب النداء، وعلى الروايتين معناه إتمام النداء (فإذا ثوب بالصلاة) أي: أقيمت الصلاة، التثويب في عرف الشرع يطلق على أمرين أحدهما: الإقامة، والآخر: قول المؤذن في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم. قيل: مأخوذ من الثوب وذلك أن البعيد من القوم إذا أراد إعلامهم يلوح بالثوب فشبه به الإقامة لاشتراكهما في معنى الإعلام، وكذا قوله: الصلاة خير من النوم، وقيل: هو من ثاب إذا رجع لأنه رجوع إلى الإعلام (اقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه) بكسر الطاء وضمها، ومعناه التردد من خطر البعير ذنبه إذا رفعه ثم وضعه نشاطًا.
فإن قلت: بين المرء يدل على الشيئين والمرء ونفسه شيء واحد؟ قلت: توهم التعدد كاف في ذلك لما ذكره المحققون في قوله تعالى: {وَمَا يَخْدَعونَ إلا أَنفُسَهمْ}[البقرة: ٩] وأجاب بعضهم أن المراد بالنفس الروح. قلت: الروح والنفس شيء واحد، ولا يندفع الإشكال إلا بما ذكرنا.
(حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى) -بفتح الياء- من الظلول. قال الجوهري: يقال ظل يفعل كذا إذا عمل بالنهار دون الليل، وعلى هذا فهو من إطلاق المقيد على المطلق إذ الحكم لا يختص بالنهار، ويجوز أن يكون ظل بمعنى صار من الأفعال الناقصة، ورواه بعضهم:"ضل" بالضاد من الضلال.