اشتقاقه من العَجَب وهو: استعظامُ الشيء. (إني لأراهُ مؤمنًا) قال النووي: بفتح الهمزة من الرؤية بمعنى العلم، لقوله:(غلبني ما أعلم) وقال القرطبي: الروايةُ بضم الهمزة. قلتُ: وكذلك ضبطه الصنعاني. فعلى هذا الوجه يحمل العلم على الظن. كقوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}[الممتحنة: ١٠] ويجوزُ حلفُ الإنسان على الأمر المظنون (أوْ مسلمًا) بسكون الواو. عطفٌ على مقدر، أي: أو تراه مسلمًا لا مؤمنًا. رد على سعد الجزم بإيمانه، فإنه فعل القلب الذي لا يطلع عليه إلا الله، بل ليس لك إلا الاطلاعُ على ظاهر حاله، ولا دلالةَ في الكلام على أن ذلك الرجل لم يكن مؤمنًا، بل فيه دلالةٌ على كمال إيمانه، حيثُ تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتقرُّر إيمانه، كما فَعَل مثل ذلك في غنائم حُنين، حيث بالَغَ في العطاء للمؤلفة، وترك الأفاضلَ الكُمَّل من الأنصار والمهاجرين كيف لا وقد رُوي بسند صحيح عن أبي ذرٍّ لسعد أن هذا الرجل اسمه جَعْبَل. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا سعدُ، كيف ترى جَعْبَلًا"؟ قال: أحد المهاجرين قال: "فكيف ترى فلانًا"؟ قال: من سادات الناس. قال:"فإنَّ جعبلًا خير من ملء الأرض منه".
قال ابن عبد البر: ويقال: جعال هو أبو سراقة الضمري. كان من فقراء الصحابة، قبيحٍ المنظر، وسيأتي الكلام بأطولَ من هذا. والقولُ بأنه على تقدير إيمانه لا يكون الحديثُ دالا على ما عُقد له البابُ، ساقطٌ؛ لأن الدالَّ على ما عُقد له البابُ هو ردّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد من الجزم بإيمانه، فإنه صريحٌ في أن الإسلام قد يُوجد بدون الإيمان كما قال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات: ١٤] فإن المرادَ به الاستسلامُ الشرعي الذي يتصادف هو والإيمان ويتلازمان لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩].
(قال [يا] سعدٌ: إني لأُعطي الرجلَ وغيرُهُ أحبُّ إلي خشيةَ أن يكبَّهُ اللهُ في النار) وذلك أنه لعدم تقرَّر إيمانه لو أعطى غيره وتركه ظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميلًا وظلمًا كما قال له ذو الخويصرة: اعدلْ يا محمد.