(وإذا قلتُم أصاب كل عبد في السماء، أو بين السماء والأرض) الشك من عبد الله هل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "في السماء والأرض"؛ أو "بين السماء والأرض" وقد رواه في باب التشهد "في السماء والأرض" من غير شك.
قال بعض الشارحين: فإن قلت: لم عدل عن لفظ: "في الأرض" كما في الحديث السابق، قلت: ليعم مَنْ بَيْنَهُما؛ كالجن. هذا كلامه، وفسادُهُ ظاهر؛ لأنَّ الجن في الأرض كالإنس، إذ لا يقول أحد بأن الجنَّ في الهواء، فالصَّواب أن قوله:"في السماء والأرض" أعمُّ؛ لأنه يشمل ملائكة السماء والأرض.
(ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه) هذا موضع الدلالة على الترجمة، وهو لعمومه حجة على الحنفية، حيث قالوا: يدعو بما يشبه ألفاظ القرآن، والظاهر أن ذلك من باب الأولى؛ لأنهم استدلوا بهذا الحديث، وقد تقدم في باب الدعاء قبل السلام من رواية عائشة ما كان يدعو به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى مسلم عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بين التشهد والسلام:"اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت".
فإن قلت: لفظ "ليختر" يدل على الوجوب لأنه أمر؛ فما صَرفه عن الوجوب؟. قلت: لما فوض الأمر إلى اختيار دلَّ على أنَّه غير واجب وعليه الإجماع، وقد التبس هذا على بعض الشراح، حتَّى قال بعضهم: لفظ التخير لا يدل على عدم الوجوب لجواز التخير في الأشباح وجوب واحد فيها. وأجاب بعضهم بأن هذه الصيغة وإن كانت صيغة الأمر إلا أنها هنا للندب.
وكلُّ هذا ذهول عن الغرض؛ فإن الشارع لما ذكر الواجب من التشهد فصَّل الكلام