وقد حَمَله بعضُهم على أنَّه تمام الترجمة، فأشكل عليه أن الحديث المسنَدَ في الباب لا يدل عليه. فقال في الجواب: المحبة إما مجاز عن الاستحسان والأمر وهو قوله: "وقاربوا" يدل على الحسن، أو حقيقة في إرادة إيصال الثواب، وتلك في المأمور به واجبًا ومندوبًا، إذ لا ثواب في غيره، ثم قال: هذا ما أمكن لنا من بيان المناسبة.
وهذا كلّه خبط للاتفاق على أن محبة الله عبارةٌ عن إيصال الثواب كذلك؛ أي: استحبابًا أو ندبًا على أن ما تكلفه لا يدل على ما جعله من الترجمة، لأنَّ أحبُّ أفعل تفضيل من بناء المجهول أي: أشدّ محبوبيةً. وما ذكره يدل على الحسن في الجملة، أو إرادة إيصال الثواب كذلك.
فإن قلتَ: كيف جعل الحنيفيةَ خبر أحب، والمطابقةُ شرطٌ بين المبتدأ والخبر؟
قلتُ: أفعل التفضيل إذا أضيف جاز فيه الإفراد والمطابقة.
فإن قلتَ: ما معنى الحنيفية؟ قلتُ: صفة للملة. والحنيف: المائل. والمراد: الميلُ من الباطل إلى الحق. قال ابن الأثير: الحنيفية عند العرب: من كان على دين إبراهيم وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مأمورًا باتباع ملة إبراهيم. قال الله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}[النحل: ١٢٣].
٣٩ - (عبد السَّلام بن مطَهَّر) -بفتح الطاء والهاء المشددة مع الفتح- أبو ظفر الأزدي (مَعْن) بفتح الميم وسكون العين (الغفاري) بكسر المعجمة (المَقْبُريُّ) -بفتح الميم وضم الباء- نسبةً إلى المقبرة؛ لأنَّه كان يسكن بقُربها هو الصَّحيح.
(ولن يُشَادَّ الدين إلَّا غَلَبَهُ) كذا رواه الجمهور بدون لفظ أحد. قال النووي: الأكثر في ضبط بلادنا نصب الدينَ على أن الفاعل مضمرٌ. وقال صاحب "المطالع": الأكثر فيه الرفع على أن الفعل على بناء المجهول. ويروى بزيادة لفظ أحد. فالنصب متعين حينئذٍ. المشادّة: المغالبة في الشدة والقوة. والمعنى: من يبالغ في الطاعة ويتكلف فوق طاقته، يعجزُ عن قريب. (فَسَدِّدوا) أي: اطلبوا السَّداد -بفتح السِّين- وهو الاستقامة للأمور، والتوسط بين