(قال: أما بعد) هذا موضع الدلالة على الترجمة لأنه ذكر "أمّا بعد" بعد الحمد والثناء.
(أُعطي أقوامًا لما أَرَى في قلوبهم من الجزع والهلع) قال أهل اللغة: الهلع -بفتح الهاء واللام-: أشدّ الجزع؛ فهو من عطف الخاص على العام، أما قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩)} [المعارج: ١٩] ثم فسره بقوله {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)} [المعارج: ٢٠، ٢١] فهو أخص مما ذكره أهل اللغة.
(وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جَعَلَ الله في قلوبهم من الغنى والخير؛ فيهم عمرو بن تغلب) الخير أعم من الغنى؛ وهو: الإيمان وطلب ثواب الآخرة. فهو قسيم له، وإيثار "في" على "من" في قوله: "فيهم" كما هو في أكثر النسخ مبالغة؛ كان عمرًا تمكن في تلك الطائفة.
(فوالله ما أحب أنّ لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم) أي: بدل تلك الكلمة، وتخصيص حمر النعم بالذكر؛ لأنها أعز أموال العرب. قال النووي: وما يقال: إن البخاري إنما يروي الحديث إذا كان له راويان في كل طبقة، فليس ذلك من شرطه؛ ألا ترى أنه روى حديث عمرو بن تغلب وليس له راو إلا الحسن، فرذ عليه بعض الشارحين: بأن الضمير في له ليس للحديث؛ بل للراوي، وعمرو بن تغلب قد روى عنه غير الحسن؛ ذكره صاحب "جامع الأصول".
هذا كلامه، وقد أساء في الرّد؛ أما الأول: فلأن النووي لم يقل: إن الضمير للحديث، ولا يتعلق غرضه به، ولا يتفاوت المعنى؛ سواء كان الضمير للراوي أو للحديث؛ فإنهما متلازمان. وأمّا ثانيًا: فإن غرض النووي الردّ على من زعم أن كل حديث يرويه يكون له راويان عنده في كل طبقة على شرطه؛ لا مطلق الراوي على ما فهمه، على أن ابن عبد البر قال في "الإستيعاب": يروي عن عمرو بن تغلب الحسن والحكم بن الأعرج، ثم روى هذا الحديث من طريق الحسن وحده. فصحّ ما قاله النووي قُدسَ روحُهُ.