ميمونة أم المؤمنين (بينما النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدثُ القوم) بين: ظرف زمان، وفيه معنى المفاجأة، فتارةً تُشبَعُ الفتحةُ فيقال: بينا، وتارةً يزاد عليه ما. والقوم مصدر في الأصل يُطلق على الرجال خاصة (جاءه أعرابي) جواب "بينما" فإنَّه لا يتم إلَّا به. والأعرابي نسبة إلى الأعراب وهم سكان البادية، جمعٌ لا مفرد له، ولذلك نُسب إليه (فقال: متى الساعة) أي: وقت قيامها (فمَضَى رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يُحدِّث) أي: استمرّ في حديثه ولم يلتفت إليه (وقال بعضهم: بل لم يسمع) عطف على قول البعض: "سمع" كأنه عطف تلقائي، أو تقدر قبله سمع فعطف عليه (حتَّى إذا قضى حديثَهُ) أي: أتمّ الحديثَ الذي كان يُحدِّث به القوم غاية لقوله: "مضى في حديثه" وما في البين استطرادٌ أراد أن الراوي قد ضبط الحديث أحسنَ ضبطٍ، وليس من قبيل الاعتراض، إذ لا نكتةَ فيه والاعتراض إنَّما يكون لذلك كقوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} ثم قال: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}[لقمان: ١٤] إشارة إلى مزيد حقها. (قال: أين السائلُ عن الساعة، قال: ها أنا) مبتدأ خبره محذوف. أي: أنا السائلُ. وها: حرفُ تنبيه (قال: فإذا أُضِيعَتِ الأمانةُ فانتظرِ الساعةَ) قال ابنُ الأثير: الأمانة تقع على العبادة والطاعة والثقة والأمان، ولكن شيء من هذا لا يلائم قولَه:(إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله) بل المراد: تفويضُ الإمارة والرياسة إلى غير مَنْ يستحق. نظيرُهُ ما تقدم في كتاب الإيمان:"إذا تطاول رُعَاة الإبل في البنيان" وكأنه مأخوذٌ من الوسادة؛ لأنَّ العادة جلوس الأمير على الوسادة أي: جعل تحت تصرفهم، فإلى بمعنى اللام، وفي رواية القابسي:"أُوسد"-بالهمزة- لكن رواه البُخاريّ في أواخر الكتاب:"أُسند" قال: على ظاهرها، وإنَّما كرّر الراوي قال بدون العاطف؛ لأنَّه يحكي مجلس المقاولة. وفي مثله لا يَحسُنُ العطف لاستغلال كل كلام على حدة جوابًا وسؤالًا. ألا ترى إلى قوله تعالى حكايةً عن مقاولة أصحاب الكهف: