الأول: قوله: جعل الصفر آخر السنة. ليس كذلك؛ بل في كل عامين مرة، وكانا خمسة وعشرين شهرًا؛ أحد العامين ثلاثة عشر، والآخر اثني عشر، وعليه يدل قوله تعالى:{يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا}[التوبة: ٣٧] قال صاحب "الكشاف": وربما جعلوها أربع عشر ليسع لهم الوقت.
الثاني: قوله: فيصير صفر آخر السنة، وآخر أشهر الحج. غلطٌ صريحٌ؛ فإن أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة؛ ومالك وإن قال بتمام ذي الحجة إنما قال باعتبار أعمال الحج، وكيف التبس عليه والمراد بصفر هو المحرم المؤخر؟ والظاهرُ أنه فهم أن الأشهر الحرم الثلاثة أشهر الحج.
الثالث: قوله: إذ لا برء في أقل من هذه المدة. يشير به إلى أشهر الحج، وليس كذلك؛ إذ مرادهم من قولهم: إذا برِئ الدبر؛ إنما يريدون به في شهر صفر؛ وهو المحرم الذي آخروه لقولهم: إذا انسلخ صفر.
الرابع: قوله: وإنما ذكر انسلاخ الصفر؛ الذي هو من الأشهر الحرم على زعمهم، فلأنه لو وقع قتال في مكة أو في الطريق لقدَّروا [عليه]؛ يدل على أنه فهم أن تركهم العمرة إنما كان لعدم تمكنهم من القتال. وهذا غلط؛ ألا ترى أنهم كانوا في تلك الأشهر يحجون البيت، وكان من يرى قاتل أبيه أو أخيه لا يتعرض له إكرامًا للأشهر الحرم؛ بل إنما لم يعتمروا في الأشهر الحرم لأنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور؛ كما صرَّحَ به الحديث.
الخامس: قوله: أو يراد بالصفر المُحَرَّم. غلطٌ؛ لأنه لا يمكن أن يكون قسيمًا للأوّل؛ لأن المراد بصفر قولهم: إذا انسلخ صفر، هو المحرم المؤخر قطعًا.
والصواب: أنهم كانوا يحجون في الأشهر الثلاثة، فاذا رجعوا وكانوا محتاجين أخَّروا المحرم وقدَّموا صفر فتقع لهم الغارة فيه على دأبهم، فإذا رجعوا وقد عفا بعد أيام دبر ليلهم إذ نوي في الاعتمار.
(فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عليهم) لأنهم كرهوا مواقعة النساء في تلك