وأيضًا: لو حمل على العلم، لم يكن لجعل الجنة والنار غاية وجه؛ لأنهما من أظهر المعلومات.
فإن قلت: أي إعراب يعرب الجنة والنار؟ قلتُ: النصب إن جعلت حتى عاطفةً، لأنهما مفعول الرؤية. والجرُ على أنها من حروف الجر، ومعنى الغاية لازمةٌ لها على أي تقديرٍ كان.
(فأُوحي إليَّ أنكم تُفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا -لا أدري أي ذلك قالت أسماء- من فتنة المسيح الدجال) قال القاضي: هذه الرواية أحسنُ الروايات، يريدُ بها تنوين الثاني، وتركَهُ في الأول، لأنه في تقدير الإضافة حذف منه المضاف إليه لدلالة "من فتنة" عليه، ويروى بعدم التنوين في الاسمين لتقدير الإضافة فيها، ومن فتنتة بيان. وبتنوينهما على التنازع في من فتنة، ومعنى الفتنة في الحديث: الابتلاءُ والامتحان، وإن ذلك منصوب مفعول لا أدري؛ لأنه بمعنى المعرفة، ولذلك اقتصر على مفعول واحد. وأَيْ وإن كان في الأصل للاستفهام إلا أنه جرّد عنه ذلك المعنى، كما في {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}[البقرة: ٦] ولا يجوزُ أن يكون مقول قالت أسماء، لبقاء لا أدري بلا مفعول، ولفساد المعنى، فتأمل. ولا أن تكون موصولة لذلك.
فإن قلت: لا يضاف أي إلا إلى متعدد، فكيف أُضيف إلى ذلك؟ قلتُ: ذلك متعدد معنىّ، وإفراده باعتبار المذكور. والمسيح فَعيل بمعنى المفعول، لأنه ممسوح العين، أو لأنه ممسوح البركة والخير، أو بمعنى الفاعل، لأنه يمسح الأرض، وقد ذكر في "القاموس" في وجه هذه التسمية خمسين قولًا. والدجَّال من الدَّجَل وهو اللبس والخلط، ومنه سُمي النهر المعروف دجلة لستره وجه الأرض.
(يقال: ما علمك بهذا الرجل؟) المشار إليه: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. عبَّر عنه بالرجل لئلا يتلقن لو قيل: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحوه (جاءنا بالبينات والهدى) البينات: المعجزات الواضحات، والهدى: الدلالة إلى ما يوصل إلى ما هو المطلوب، أو الشرع الذي يشرعه (هو محمد ثلاثًا) أي: يقول هذا الكلام ثلاثَ مراتٍ تقريرًا أو تحقيقًا، اللهم اجعلنا منهم