الياء كما في تَقَضَّى البازي، وفي بعضها: علاني بدله. والغَشْي: بفتح الغين المعجمة وسكون الشين، وبفتحها وسكون الشين وتشديد الياء. هو الإغماء.
فإن قلت: إذا أُغمي عليها كيف قالت: فجعلتُ أصبُّ فوق رأسي الماء؟ قلتُ: أرادت قرب الغشي، فلذلك لم تقل: غشي عليَّ، بل قالت: علاني أو تجللني، كما يقول الوسنان: غلبني النومُ. وعلى هذا الغشي مستعمل في معناه حقيقة.
فإن قلت: كيف صبَّت فوق رأسها الماء، وهي في الصلاة، فإنه يحتاج إلى عمل كثير؟
قلت: لم يوجد في طريقٍ من الحديث أنها أحرمت بالصلاة.
فإن قلتَ: فلم وقفت حتى علاها الغَشْي؟ قلتُ: قامت تنظر ما يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد فراغه من الصلاة، لوجود الآية، ولئن سُلّم أنها كانت في الصلاة، فلعلها لم تعلم أن ذلك مبطل للصلاة كما سيأتي [في] باب السهو في الصلاة. وإليه ذَهَبَ طائفةٌ من العلماء.
(ما من شيءٍ لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا) زيادة من الاستغراقية، ولفظ شيء المتناول كل موجود يدلان على أنه رأى كل ما يمكن رؤيته من الجواهر والأعراض، وإن كانت لا تُرى عادةً، كما تجعل الأعراض في صور الأجسام من العبادات في الميزان يوم القيامة، ويحتمل أن يُريد ما جرت العادة برؤيته.
قال بعضُهم: فإن قلتَ: هل دَلَّ على أنه رأى في ذلك المقام الربَّ تعالى وتقدس؟ قلتُ: نعم إذ الغَشْي يتناوله، والعقلُ لا يمنعه، والعُرف لا يُخرجه. وَأنا أقول: لو كان رؤيته تعالى واقعة له في ذلك المقام، كان السياق يقتضي أن يقول: حتى الله، بدل قوله: "حتى الجنة والنار". ولمّا جعل الجنةَ والنار غايةَ رؤيته، عُلم أن المراد رؤيةُ الممكنات، وقال أيضًا: يجوزُ أن تكون الرؤية بمعنى العلم. وهذا الاحتمالُ أيضًا ساقطٌ لما سيأتي في باب الكسوف: أنهم قالوا له: رأيناك تناولْتَ شيئًا؟ قال: "تناولتُ عنقودًا، ولو أصبتُهُ لأكلتُم منه ما بقيت الدنيا" ولا شك أن هذا التناول لا يكون إلا مع الإبصار حقيقةً،