للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» قَالَ الفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ. [الحديث ١٠٠ - طرفه في: ٧٣٠٧].

ــ

البخاري مجازًا عن الرؤساء لأن الرأسَ أشرفُ الأعضاء. وروى مسلم بوجهين؛ أحدهما: ما في البخاري، والثاني: بضم الراء والمد. جمع رئيس وهو ظاهر. وقوله: "لم يبقِ عالمًا" نكرة في سياق النفي تدل على أن الضلال منتفٍ ما دام عالم موجودًا في كل قطرٍ يدفع الشُبَهَ، ويقول في الدين بالعلم. وهذا موجود في هذه الأمة إلى آخر الدهر لقوله: "لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق".

فإن قلتَ: فذلك إنما لم يقبض العلم بأن يصبح العالِمُ جاهلًا، لئلا يكون رجوعًا عما تفضَّل به يرد عليه: أن كم من عالم يصبح جاهلًا؟ قلت: ذلك ليس مما نحن فيه، بل بسبب شؤم المعاصي، وقطع نظره عن ممارسة العلم، والمداومة على المذاكرة، إنما الكلام في سلب العلم كما أشرنا إليه بأن يمسي عالمًا ثم يصبح جاهلًا، كما أنبأ عنه لفظُ الانتزاع.

قال بعض الشارحين: فإن قلتَ: إذا في قوله: "إذا لم يبق" للاستقبال، ولم للماضي، فكيف اجتمعا في كلمة؟ قلتُ: إذا جعل نفي البقاء مستقبلًا، ولم يجعل البقاء ماضيًا فلا إشكال. وهذا وهمٌ؛ فإن نفي البقاء ماضٍ، وإذا ليس للشرط، بل لمجرد الزمان، كما قال سيبويه: إذا يقوم زيد أو يقوم عمرو بأنهما مبتدأ. والمعنى: إن أمر العلم مستمر إلى وقت فناء العلماء، وبعد فنائهم، أو أشار بلم إلى تحقّق وقوعه. وإن تأخر كما ذكر نظيرَهُ صاحبُ "الكشاف" في قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبَّكَ} [الضحى: ٥].

(فسُئِلوا فَأفْتَوا بغير علمٍ، فضَلّوا وأضلُّوا) ثم قال: أو تعارضًا فتساقطا، أو تعادلا فاستمرا لأمرٍ. وهذا كلامٌ مخترَعٌ ليس له أصل في العربية.

ثم قال: فإن قلتَ: الضلَال مقدَّم على الإفتاء، فكيف أخره عنه؟ قلت: المركب من الضلال والإضلال متأخر عن الإفتاء، وهذا ليس بصواب؛ لأن الضَّلال والإضلال لا تركيب بينهما. والصوابُ أن السؤالَ ساقطٌ، إذ لا ضَلَالة قبل الإفتاء، وإنما حَصَلَ له الضلالُ بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>