تنبيه يريد: عدمَ المفارقة في أكثر الأحوال، وإلا فقد هاجر الزبيرُ إلى الحبشة.
(ولكن سمعتُهُ يقول: من كَذَبَ عليَّ فليتبوأ مقعَدَهُ من النار، أي: فليتخذ له منزلًا في النار، مشتق من المباءة -بفتح الميم والباء الموحدة، وفتح الهمزة- وهو المنزل.
وأصلُ الكلام: من كذب علي يدخل النار، وإخراجه في صورة الأمر، لما أشرنا إليه في قوله:"فليلج النار" وهذا أبلغُ في الوعيد من ذلك، لأنه أمره باتخاذ المنزل الدالّ على الإقامة.
فإن قلت: يلزم من هذا كتمانُ العلم وترك تبليغ ما سمعه؟ قلتُ: لا يلزم؛ لأن حاصلَهُ أن لا يحدّث إلا بما يَتَيَقَّنُهُ من غير شُبهة، والأمر كذلك لا يجوزُ أن يحدث عنه إلا إذا كان مُتَيقنًا.
١٠٨ - (أبو مَعْمر) -بفتح الميمين بينهما عين ساكنة- عبد الله بن عمرو المنقري البصري (قال أنسٌ: إنه ليَمْنَعُني أن أُحدِّثكم حديثًا كثيرًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من تَعَمَّد عليَّ كذبًا فليتبوأ مقعده من النار) تقدَّم تحقيقُه في حديث الزبير قبله، وفي هذه الطريقة زيادةُ قيدِ العمد، وهي زيادة حسنةٌ لا بُدَّ منها.
١٠٩ - (مكي بن إبراهيم) يكنى أبا السكن، سمع سبعة عشر تابعيًّا (عن يَزيد بن أبي عُبَيد) من الزيادة (عن سَلَمة بن الأكوع) -بفتح السين واللام، وبفتح الهمزة وسكون الكاف- جده، وهو ابن عمرو بن الأكوع، أسلمي يكنى أبا مسلم، وقيل: أبا عامر، وقيل: أبا إياس.
قال ابنُ عبد البر:[...] أحد شجعان الصحابة، وكان يسبق الخيل جَرْيًا على رجليه، بايعه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ثلاث مراتٍ، وكان ذلك اليوم يخدم طلحة.