فإن قلت: يراه رؤيةَ عين، أو يراه بقلبه؛ قلت: بل بقلبه؛ لأنَّ الحواسَّ في حال النوم لا دَرْكَ لها، ألَا تَرَى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تنام عيناي ولا ينام قلبي".
فإن قلتَ: رؤية القلب هي العلمُ أم شيءٌ آخر؟ قلتُ: شيء آخر شبه رؤية البصر وهي المُعَبَّر عنها بالبصيرة، ولذلك يتعدى إلى مفعول واحد كما في رواية مسلم: "رأيتُ اللهَ بفؤادي".
فإن قلتَ: يرى في زمان واحدٍ على أنحاء شتى شيخًا وشابًا ضعيفًا وقويًّا؛ قلتُ: تبدل الأعراض لاقتضي تبدل الشخص، كجبريل؛ فإنه كان يظهر تارةً في صورة البدوي، وأخرى في صورة دِحْيةَ، وذلك بحسب حال الرائي والأزمان والأماكن، فإنه يرى في مكان يكون لشرعه رواج واستقامة فرحًا مسرورًا، وفي أماكن الفساد محزونًا رثَّ الحال.
فإن قلت: حكم سائر الأنبياء حكمه أم لا؟ قلتُ: هذا الحديث لا دلالةَ فيه على النفي والإثبات. وقد نُقل عن محيي السنة: أن الكل كذلك، ونُقل عن غيره أن الملائكة أيضًا كذلك.
فإن قلت: فإذا كان المرئيُّ هو حقًّا فيكون الرائي صحابيًّا قلتُ: هذا أمر اصطلاحي، ولم يطلقوا على غير من رآه حيًّا. قال بعضُهم: إنما لم يطلق على الرائي: اسم الصحابي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المخبر عن الله، وهو إنما كان مخبرًا في الدنيا لا في القبر، وهذا الَّذي قاله لا يستلزم أن لا يطلق عليه اسمُ النبي بعد الموت. نعوذ بالله من ذلك، وقد غفل عن أصل المسألة وهو أن الخلافَ في أنَ اسم الفاعل، هل يُطلق حقيقةً على من صدر عنه الفعل، أو مخصوص بحال المباشرة كضارب فيمن يباشر الضرب، إنما هو في اسمٍ يدل على