الله - صلى الله عليه وسلم - خَصَّه من دون الصحابة بعلومٍ وأسرارٍ، وإنما خاطبه بلفظ الجمع إجلالًا له. قيل: أو هو التفات من خطاب المفرد إلى خطاب الجمع عند من يجعل مثله التفاتًا، كما في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ}[الطلاق:١] هذا كلامه وليس بصواب، لأن الالتفات هو العدول من أسلوب إلى آخر، وليس في خطابه لعلي مخالفة أسلوب سوى أنَّه خاطبه بلفظ الجمع إجلالًا.
قال التفتازاني ناقلًا عن صدر الأفاضل: شرطُ الالتفات أن يكون الكلامُ مع واحد في الحالين، وعلى هذا ليس في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ}[الطلاق:١] التفات، لأن المخاطب أولًا هو وحده، وثانيًا هو وأمته.
(أو فَهْمٌ أُعطيه رجلٌ مسلم) أي: قوة دراكة أو إدراك كامل يدرك به ما لا يدركه غيره من الدقائق والأسرار الغامضة. وقيل: المراد من الفهم: المفهوم. ثم قال: أو استثناء الفهم من كتاب الله متصلٌ؛ لأن المفاهيم توابع المناطيق. هذا كلامُهُ. وهو باطل من وجهين: الأول: أنَّه سيأتي في روايةٍ أخرى: "فَهْمٌ أُعطيه رجل في كتاب الله"، ولو كان الفهمُ بمعنى المفهوم لقال: فَهْمٌ أُعطيه من كتاب الله.
الثاني: أن المراد من كتاب الله هو اللفظ المنزَل للإعجاز بسورة منه، لأن المعاني القائمة بذاته تعالى، أو الأحكام المدلول عليها، فان الناس إنما يتفاوتون في أخذ المعاني من تلك الألفاظ.
(قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقلُ وفِكَاكُ الأسير، وأن لا يُقتل مسلم بكافر) العقلُ: الديةُ. قال ابن الأئير: أصلُهُ أن القاتل إذا قَتَل قتيلًا جَمَعَ من الإبل وعَقَلَها بفناء أولياء المقتول. وفي رواية أبي داود والنسائي وابن ماجة: "ولا ذو عَهْدٍ في عهده" (٢)، وبه استدل الشافعي على أن المسلمَ لا يُقتل بالذمي. وأجاب عن استدلال أبي حنيفة بالآية: {أَنَّ