للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ:

ــ

وعمومِ: "ما من أحد" وقيل: هذا كان قبل سائر الفرائض. وليس بشيء؛ لأن معاذًا من شبان الأنصار، ومثله عن أبي هريرة، وقد أسلم سنة سبعٍ من الهجرة.

فإن قلتَ: "صدقًا" صفة فعل القلب أو القول؟ قلتُ: صفة فعل القلب وذلك احتراز عن قول المنافق، فإنه وإن كان صدقًا في نفس الأمر، لأن صدق الخبر كونه مطابقًا للواقع، سواء كان مطابقًا لاعتقاد المخبر أو لا. ومنه ظهر أن تعلق "من قلبه" بقوله: "يشهد" غير سديد، اللهم إلا أن يراد بالشهادة فعل القلب، والدليل عليه ما في الرواية الأخرى: "خالصًا من قلبه".

فإن قلتَ: ما معنى التحريم على النار والحرمةُ صفة فعل المكلف؟ قلتُ: أُريدَ به لازمه وهو المنع.

فإن قلت: قال هنا: "حرَمه الله على النار" في حق المؤمن، وقال تعالى في حق الكافر: {حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: ٧٢] فهل فرقٌ بحسب المعنى؟ قلتُ: قال بعضُ الشارحين: النار متصرفة والجنة متصرف فيها، والتحريم على المتصرف أنسب هذا كلامه. وما ذكره أمر وهمي؛ لأن التحريم حكمُ الله في الموضعين. والصواب في الجواب: أن إيقاع التحريم على المؤمن اعتناء بشانه، وأما على الكافر فلأمرٍ عارضٍ فأوقع التحريم على الجنة إشارةً إلى غلبة الرحمة لولا ذلك العارض.

فإن قلت: "إلا حرم الله" استثناء من ماذا؟ قلتُ: قال بعضُهم: استثناء من أعمّ عام الصفات أي: ما أحدٌ يشهد كائنًا بصفة إلا بصفة التحريم، وهذا وهمٌ؛ لأن التحريم صفةُ الله مسند إليه في الحديث، بل التقدير: ما من أحد يشهدُ في حالة من الأحوال إلا في حالة حرَّمه اللهُ على النار.

(أفلا أُخبر به الناسَ فيستبشروا) الهمزة داخلةٌ على مقدر، والفاء العاطفة على ذلك المقدر أي: أقلت هذا؟ أفلا أخبر، ومعنى الكلام العرض كقولك: ألا تنزل بنا. ويجوزُ أن يكون الاستفهام على أصله وحَذَفَ نون يستبشروا؛ لأنه جواب العرض أو الاستفهام، فيقدر بأن، ويُروى بالنون عطفًا على: أفلا أخبر، كقوله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)}

<<  <  ج: ص:  >  >>