[المرسلات: ٣٦] قال: (إذًا يتكلوا فأخبرَ بها معاذٌ عند موته تأثمًا) أي: تَجَنبًا واحترازًا من كتمان العلم.
فإن قلت: كيف جاز له مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قلت: أخذ الجواز من قوله: يتكلوا، فإنه المانع، ولمّا زال ذلك المانع بأن اعتادوا بالطاعات، ودخل حلاوتها في أعماقهم حتى قصدوا الترهب، وصوم الدهر، وقيام الليالي، فانتهى الحكم بانتهاء علته. وما يقال: إن المنع كان عن العوام دون الخواص، ومعاذًا إنما أخبر الخواصَّ يَرُدُّه لفظُ: الناس، على العموم. وأيضًا لو كان المنعُ عن العوام دون الخواص، لَخَصَّ معاذٌ عند الموت طائفةً ولم يطلق الخبر. وقد رَوَى الإمام أحمد أنه قال معاذ عند موته: أدخلوا على الناس، ولما دَخَلُوا حَدَّث بهذا الحديث. والعجبُ أنه قال هذا القائل: إنما خَصَّ الخواصّ دون العوام؛ لأن هذا من الأسرار الإلهية فالخطأ نقلًا وعقلًا.
فإن قلت: هذا الحديث من مسندات أنس أم من مسندات معاذ؟ قلتُ: قول أنس بعده: ذَكَر لي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذٍ، يدل على أن أنسًا لم يسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان هذا السياق مشعرًا بأنه سمعه. وأما أن البخاري ذكر في الترجمة القوم، والمذكور في الحديث رجل واحد، فلا يقدح في غرضه؛ لأن القوم يقاس على الواحد قياسًا جليًّا والله أعلم.
١٢٩ - (مسدّد) بضم الميم وفتح الدال المشددة (معتمر) من الاعتمار -بكسر الميم- قال الغساني: سقط من نسخة أبي زيد ذكرُ مسدد، ولا بُد منه، قال: وسقوطه من القابسي.
(سمعتُ أنسًا قال: ذكر لي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: مَنْ لقي اللهَ لا يُشركُ به شيئًا دَخَل الجنة) هذا تعليقٌ من أنس، وذلك أن معاذًا أخبر به عند موته بالشام، وكان أنس بالعراق.
واللقاء كناية عن الموت، وصَرّح هنا بدخول الجنة؛ لأن التحريم على النار أعم مفهومًا منه، إلا أنهما متلازمان لقوله:{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى: ٧].