فإن قلت: اسم التفضيل يدل على المشاركة؟ قلت: كذا، قال تعالى:{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة: ٧٣] وفي موضع آخر {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}[التوبة: ١٢٣] وهو سيد المؤمنين، وأول داخل في هذا الخطاب.
فإن قلت: ما الفرق بين الفظاظة والغلاظة؟ قلت: الفظاظة في القول، والغلاظة في القلب، قال تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ}[آل عمران: ١٥٩]، وقال بعضهم: إن الأفظ والأغلظ بمعنى الفظ والغليظ، فلا يقتضي المشاركة؛ لأن اسم التفضيل إذا استعمل بمن لا بد وأن يكون المفضل عليه.
في هذا (إيه يا عمر) كلمة فيها معنى الأمر، وأصل وضعها على السكون، فإن وصلت بما بعدها كسرت مع التنوين، والمعنى طلب الزيادة من الكلام، وإذا نونت مع النصب كان أمرًا بالسكوت، وقد رويت هنا بالوجهين.
فإن قلت: إذا كان معناه طلب الزيادة في الكلام فما معناه في هذا المقام؟ قلت: معناه أنه لما استأذن عمر علم أن له حاجة، وكلام النساء كان وافيًا بالغرض، فقال له: اذكر الأمر الذي جئت بسببه، وقيل: لما مدح عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له أي زيدني مدحًا، ولا يخفى بعد هذا الكلام.
(والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا آخر) إما كناية عن بعد الشيطان عن القدرة على إغوائه، أو حقيقة، وليس فيه ما يفيد الحصر، فيجوز أن يكون أبو بكر أيضًا كذلك، ولئن سلم لا يلزم منه التفضيل مطلقًا، نظيره عدم مس الشيطان لعيسى وأمه، ولم يلزم من ذلك أن يكون أفضل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والفج: الطريق، وقط: لفظ يؤكد به المنفي في الماضي.
٣٦٨٤ - (قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر).
فإن قلت: كيف هاجر [ابن] مسعود وكثير من الأصحاب بعد إسلام عمر؟ قلت: أراد بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولًا من إخفاء الدين.