بالاستنثار لأنه مسبوق بالاستنشاق وفي بعضها: استنشق واستنثر. قال ابن الأثير: والاستنشاق: إيصالُ الماء إلى الخياشيم. أصله استمشق الريح إذا شَمَّها.
(ثم مسح برأسه) لم يذكر مع المسح ثلاثًا لا في البخاري ولا في مسلم. قال النووي: استدل الشافعي على تكرار المسح بما رواه أبو داود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على رأسه ثلاثًا وقياسًا على سائر الأعضاء. وهذا الذي قاله ربما يُناقش فيه بأن الروايات متطابقة على عدم التكرار، إلا ما رواه أبو داود فيقال: إن ذلك لبيان الجواز. وأما جواب الشافعي أن الاكتفاء بمرة واحدة. وهذا لبيان الجواز. ففيه أن هذه الروايات إنما هي لبيان الوضوء الكامل.
(قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صَلَّى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه غُفِر له ما تقدَّمَ من ذنبه) قال النووي: المراد من الحديثِ أحاديثُ تَتَعلق بأمور الدنيا، وما لا يتعلق بالصلاة ولو اعترض له حديث فأعرض عنه فلا ضَرَر فيه. قلتُ: قوله: "لا يحدث فيهما نفسه" بإسناد الفعل إلى المصلي، فيه دلالة على أن الخواطر والوساوس من غير كسب منه لا تقدحُ في ذلك. وهذا معنى ما نقل عن القاضي عياض المراد من الحديث هو المجتَلَب المكتسَبَ.
قال النووي: والمراد من الذنوب: الصغائر لا الكبائر، وإنما قيد بذلك لما في رواية مسلم:"ما لم تُؤتَ كبيرة". وأما قوله: إنما قال: "نحو وضوئي" دون: مثل، إشارةً إلى أن مثل وضوئه لا يقدر عليه أحد، فقد سَبَق منّا أنه جاء في رواية مسلم وغيره لفظ المثل. وعلماءُ البيان لم يفَرقوا بين لفظ مثل ونحوه في التشبيه. وأيضًا الوضوء ليس إلا فعلًا محسوسًا محدودًا، فلا وجه لقولهم: لا يقدر على مثل وضوئه أحد، كيف وقد قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي" ولا شك أن الصلاةَ أعظمُ شأنًا وأدقّ بيانًا من الوضوء؟ هذا مع أن