بصري، فإذا المَلَك الذي جاءني بحراءٍ على كرْسي) بضم الكاف وقد يكسر وهو معروف.
(فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر: ١] من: الدِّثَار وهو الثوبُ الذي فوق القميص، وما يلي الجسد هو الشّعار كما سيأتي في المناقب، قال في حق الأنصار: "الناسُ دِثار والأنصار شعار"؛ لأنه كان متدثرًا بثيابه من رُعبه لما رآه جالسًا على الكرسي، وكان عرف منه شدة حين غطّه في الغار، فخاف أن يناله منه شيء آخر. وقيل: فيه بشارة له بالنبوة، والمعنى: أيها المدثر بلباس النبوة. على التجوّز والاستعارة (فحمي الوحي وتتابع) استعارة حسنة لاتصال الوحي واستمراره بعد استعارة فترة الوحي لانقطاعه.
فإن قلتَ: عائشة لم تدرك أوائل النبوة، كيف أخبرتْ عنها؟ قلتُ: إما سمعتْ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو من غيره، هذا من مراسيل الصحابة، مقبولٌ باتفاق العلماء إلا ما شذّ من أبي إسحاق الإسفراييني.
فإن قلتَ: ما قولُك في إيمان ورقةَ بن نوفل؟ قلت: مؤمنٌ كامل وصحابيٌ مكرَّم - رضي الله عنه - كيف أدرك الحق وأذعن مع أنه من كبار أهل الكتاب الحاسدين الذين اشتروا بإيمانهم ثمنًا قليلًا. وروى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة أن خديجةَ سألت عن حاله، وقالت: صدَّقك، ومات قبل ظهورك؟ فقال: "رأيتُهُ في المنام وعليه ثيابٌ بيض" ونقل المنذري بوجه آخر أيضًا يدل على حسن حاله.
فإن قلت: دلّ الحديثُ على أن أول ما نزل من القرآن آيتان من أول ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}[العلق: ١]، وفي رواية مسلم أن أول ما نزل:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وفي البخاري: أنَّ الأول سورةُ المدثر. رواه عن جابر. وفي بعض الروايات: سورة الفاتحة. قال النووي: وتبعه