على البراق إلى بيت المقدس (فلما جئت إلى السماء الدنيا) لم يقل: جئنا لأن مجيئه هو الأمر الغريب دون الملك، كذا قيل، ولكن سيأتي بلفظ الجمع في مواضع، وذلك أنَّه تحدث بهذا الحديث مرارًا بعبارات كلها صادقة (قال جبرائيل لخازن السماء: افتح) أي: الباب (قال: من معك؟ قال: محمَّد، فقال: أرسل إليه) أي: بالعروج، فإنهم كانوا كانوا عالمين برسالته لأن الله تعالى يخبر الملائكة ليلة القدر بما يقع في ذلك العام، وقيل: الاستفهام للتعجب لأنه حصل له ما لم يحصل لأحد قبل، وقيل: استفهام عن رسالته فإنَّه خفي عليهم لاستغراقهم في الطاعات كما أخبر الله: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)} [الأنبياء: ٢٠]. ولفظ إليه في أرسل إليه يؤيد الوجه الأول (فلما فتح علونا السماء الدنيا) هذه على رغم أنف الفلاسفة الأنجاس الذين يقولون: الفلك لا يقبل الخرق، ولو اجتمع الإنس والجن على وزن خردل منه لا يقدرون على فلقه (فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة) جمع سواد، وهو الشخص لأنه يرى من بعيد [أسود] قاله ابن الأثير (وإذا نظر قبل يساره بكى) إنما بكى حزنًا على أولاده، كما أنَّه ضحك إذا نظر أهل اليمن سرورًا بأهل الجنة.
فإن قلت: أرواح أهل النَّار في سجين تحت الأرض السابعة، وأرواح المُؤْمنين في عليين. قلت: لا منافاة فإنَّه في مقامه يشاهد الطائفتين، ألا ترى إلى قوله:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ}[الأعراف: ٤٤]، وقوله: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥)} [الصافات: ٥٥] فسقط ما يقال: كيف تكون أرواح الكفار في السماء وقد قال تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}[الأعراف: ٤٠]، والجواب عنه بأنه أراد الأرواح التي لم تتعلق بالأبدان، على أن تعلق الحمل على ذلك لا يصح لعموم لفظ نسم بنيه.
(فقال: مرحبًا بالنبي الصالح) نصب على المفعولية أي: أصاب الله به مكانًا ذا سعة،