أحياء عند ربهم يُرْزَقون. أو الدخول مع السابقين وذلك لأن دخول الجنة حاصلٌ لكل مؤمن. وهذا الذي قاله لا ضرورة إليه، لأن دخول الجنة مطلقًا كافٍ في الترغيب. ألا ترى إلى قوله تعالى في حق الشهداء:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: ١١١]؟ وإلى ما رواه البخاري عن جابرٍ أن رجلًا يوم أُحُد، قال: يا رسول الله، أرأيتَ إن قُتِلْتُ فأين أنا؟ قال:"في الجنة". ولم يَزِدْ على ذلك. وأما أن للمجاهدين درجاتٍ فقد نطق به الكتاب والسنة.
(ولولا أن أشُقَّ على أمتي ما قعدتُ خلف سريةٍ) لولا: إذا دخلت على الاسم تدل على امتناع الثاني لوجود الأول. كقول عمر:"لولا علي لهَلَكَ عمر" أي: امتناعُ هلاكه لوجود علي. وهنا معناه: أنه لم يَشُق على أمته، ولذلك قَعَد، فإن لولا تدل على انتفاء الجواب، وانتفاء المنفي يلزمه الوجود.
والسرية: قطعةٌ من الجيش أقصاها أربعُمئةٍ. وجمعُها: سَرَايا. يقال: رجلٌ سريّ. أي: جيد مختار من سَرُوَ الرجلُ. وقيل: من السرّ لأنهم يذهبون نحو العدوّ سرًّا، وليس بوجهٍ؛ إذ لو كان كذلك لقيل: سرّية بتشديد الراء.
فإن قلتَ: ما معنى الخلف؟ قلتُ: الخلف مرادف الوراء أي: لم يقم بعد أي سرية كانت. ويجوزُ أن يكون معناه: لم أزل خلف سرية، فإن الرجل الشجاع يكون في ساقة الجيش. وهذا من كمال رأفته بأمته؛ لأن أكثر ما يطرق العدو ساقة القوم (ولوددت) اللام جواب قسم مقدر، والودادة معناها التمني، فلا يجوز أن يكون داخلًا في حَيّز (لولا) عطفًا على جوابه؛ لأنه يلزم خلاف ما ساق له الكلام، وهو تمني الشهادة والقتل في سبيل الله مرارًا. قال النووي: دلّ الحديث على فضيلة تمني الشهادة، وأن التمني يكون في الشيء الذي لا يحصل. ومن الشارحين مَنْ جَوَّز العطف على جواب (لولا)، فأشكل عليه أن لا مشقة في الودادة فقال: لا تم ذلك ولئن سلم فربما ينجر إلى تسريع مودوده فيصير سببًا للمشقة.