للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يعتبر ابن عبد البر الآثار السابقة من خروج الدم من أنف أبي هريرة، وابن عمر وجابر، وعدم الوضوء من ذلك أن مثل هذا مخالف للآثار الواردة عن الصحابة في الانصراف من الصلاة للرعاف، وذلك ربما لأنه يرى أن خروج الدم من الأنف يسير لا ينقض الوضوء، والله أعلم.

وقال ابن التركماني: «ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء البناء عن عليِّ وابن عمر وعلقمة، ثم قال: ولا نعلم لهؤلاء مخالفًا من الصحابة إلا شيئًا يروى عن المسور بن مخرمة، فإنه قال: يبتدئ صلاته، ثم ذكر كلام ابن عبد البر المتقدم قريبًا» (١). اهـ

والعجب كيف يعتبر الكلام مبطلًا للصلاة، ولا يرون إبطال الطهارة بالرعاف مبطلًا للصلاة، مع العلم أن الطهارة شرط من شروط الصلاة، يلزم من عدمها عدم الصلاة، والكلام من محظورات الصلاة، ولكن ليس بمثابة الطهارة من الصلاة، وفعل المأمورات أشد من ترك المحظورات، فإن الإنسان لو تكلم ناسيًا في صلاته أو جاهلًا صحت صلاته، ولو صلى بدون طهارة ناسيًا أو جاهلًا لم تصح منه الصلاة، ولكن لا بد من التسليم للصحابة إن كان لم يحفظ خلاف في المسألة بينهم، فإن قول الصحابي حجة إذا لم يعلم له مخالف، وما ينسب للمسور بن مخرمة لم أقف على إسناده.

وهذا مالك رحمه الله تعالى، وهو لا يرى خروج النجس من غير السبيلين ناقض للوضوء يقول بالرعاف خاصة.

قال ابن رشد: واختار مالك رحمه الله تعالى بالبناء على الاتباع للسلف وإن خالف ذلك القياس والنظر، وهذا على أصله أن العمل أقوى من القياس؛ لأن العمل المتصل لا يكون أصله إلا عن توقيف، وقال أيضًا: ليس البناء في الرعاف بواجب، وإنما هو من قبيل إما الجائز أو المستحب (٢).

* * *


(١) الجوهر النقي (٢/ ٢٥٦، ٢٥٧).
(٢) المقدمات (١/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>