الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا علم أنه ليس من دينه، فلو كانت الطهارة واجبة لمس المصحف لجاءت الأدلة الصحيحة على بيانه؛ لأن هذا الأمر يحتاجه غالب المسلمين، ولا يستغني عنه أحد منهم؛ لأن حاجة المسلمين إلى قراءة كتاب الله، وتدبره، والعمل به، كحاجتهم إلى الطعام والشراب والنفس، فإن في قراءة القرآن حياة أرواحهم، كما أن في الطعام قوام أبدانهم، فلماذا لم يأت دليل صحيح يقطع النزاع في هذه المسألة المهمة. أتكون أذكار دخول المنزل، والخروج منه، وركوب الدابة، وأذكار السفر، وغيرها من الأذكار المستحبة تأتي فيها الأدلة صحيحة صريحة، وتكون الأدلة في مس المصحف لقراءة القرآن أشرف الكلام: كلام الله سبحانه وتعالى، وحجته على خلقه، والهادي إلى سبيل السلام، والأمة مضطرة لمسه وتعلمه، مع كل هذه الحاجة تأتي الأدلة على وجوب الطهارة له إما مرسل، أو حديث ضعيف، فهذا يدل على أن المسألة لا يثبت فيها نهي أصلًا.
[الدليل الثالث]
(١٧٧١ - ٢٣٢) ما رواه مسلم من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، قال: حدثنا سعيد بن حويرث،
أنه سمع ابن عباس يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته من الخلاء، فقرب إليه طعام فأكل ولم يمس ماء.
قال وزادني عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: إنك لم توضأ، قال: ما أردت صلاة فأتوضأ. وزعم عمرو أنه سمع من سعيد بن الحويرث (١).