للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والفرق بين المأمورات والمنهيات من حيث المعنى: أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها، وذلك لا يحصل إلا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها، امتحانًا للمكلف بالانكفاف عنها، وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها، ومع النسيان والجهل لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي، فعذر بالجهل فيه، فمن نسي الماء، وهو في رحله، وصلى بالتيمم، فإنه يطالب بفعله؛ لأنه من باب المأمورات، أرأيت لو أن الرجل نسي الطهارة، وصلى بدونها، لزمته إعادة الصلاة، فكذلك نسيان الماء، فإنه بمنزلة نسيان الطهارة الواجبة عليه. وهذا من أقوى أدلتهم (١).

• ويُجاب:

النزاع: هل يعتبر من نسي الماء، عاجزًا عن استعماله، أو ليس بعاجز؟ فإن اعتبرناه عاجزًا عن استعمال الماء لم يكن تاركًا للمأمور، لأنه حينئذ لم يكن مأمورًا بما عجز عنه شرعًا، وكان المأمور به في هذه الحال هو التيمم، وإن اعتبرناه في حالة النسيان ليس بعاجز شرعًا، صدق عليه أنه ترك ما هو مأمور فيه، فلا يعذر بالجهل والنسيان، ونحن نذهب إلى أن من نسي وجود الماء، وطلب الماء، وأمعن في طلبه، فلم يجده، أنه عاجز عن استعماله حالة نسيانه، وتيممه وصلاته إنما وقع في هذه الحالة، أعني حالة العجز، فلا يكون قد ترك المأمور، وفرق بين نسيان التيمم ونسيان الماء، فنسيان التيمم لا يسقطه كما لو نسي الوضوء، ونسيان الماء عجز شرعي عن استعماله، لأنه مخاطب أن يصلي قبل خروج الوقت، وقد عجز عن الوصول إلى الماء بذهوله عنه، فلا يكلف بالإعادة، والله أعلم.

[الدليل الثاني]

أن التيمم إنما يصح بشرطين: عدم الماء، أو عدم القدرة على استعماله، وهذا واجد للماء، وقادر على استعماله، إلا أنه جاهل بالوجود والقدرة، والجهل عذر في


(١) انظر المنثور في القواعد (٢/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>