أولًا: أنتم لم تأتوا بقول يجمع بين القولين حتى يقال: قد وفقتم بين الخلاف، فلا أنتم قلتم بصحته بلا كراهة، ولا أنتم منعتم منه، فأنتم في الحقيقة أحدثتم قولًا ثالثًا في المسألة، لا بسبب دليل دعاكم إلى القول بهذا، ولكن الذي دعاكم إلى القول به، وجود قولين في المسألة، وبدلًا من أن يكون في المسألة قولان، أصبح فيها ثلاثة أقوال، فأصبح تعليلكم زاد من الخلاف، ولم تخرجوا منه.
ثانيًا: الكراهة حكم شرعي، يقوم على دليل شرعي، ووجود الخلاف ليس من أدلة الشرع المتفق عليها، ولا المختلف فيها حتى نعلل به الحكم الشرعي.
ثالثًا: لو أخذنا بالخلاف كدليل أو تعليل للحكم الشرعي، للزم أن كل مسألة خلافية، نقول: إنها مكروهة، وهذا لا يقول به أحد، فالصحيح أن الخلاف قسمان: خلاف يكون ضعيفًا جدًّا، فهذا نطرحه ولا نبالي.
وليس كل خلاف جاء معتبرًا ... إلا خلافًا له حظ من النظر
وخلاف يكون قويًّا، فتجد كل خلاف في المسألة له دليل قوي، وله حظ من النظر، فهنا ينظر: فإن أمكن الخروج من الخلاف، بحيث نأخذ بقول يجمع بين القولين، فهو جيد، ويكون من باب الاحتياط، وليس السبب وجود الخلاف، ولكن السبب تنازع الأدلة، فهو من باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وليس كل خلاف يمكن الخروج منه، فإن هناك أقوالًا متضادة لا يمكن الخروج من الخلاف فيها، وذلك مثل قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية، فهناك قول يقول: تجب قراءتها، وقول آخر يقول: تحرم قراءتها، فلا يمكن هنا في مثل هذه المسألة الخروج من خلاف أهل العلم، ولا بد من ترجيح أحد القولين لامتناع جمع هذين القولين في قول ثالث، والله أعلم.