للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• ويجاب عنه:

بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتصدون في الوضوء، وقد ثبت من حديث أنس المتفق عليه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ... الحديث (١)، بل توضأ بأقل من ذلك، وكان بعض السلف إذا توضأ لا يكاد يبلل الأرض. وعلى هذه الحال لا يمكن جمعه، ولو أمكن جمعه لكان في ذلك مشقة عظيمة، والحرج مرفوع عن هذه الأمة بنص القرآن. كما أن كونه لم يجمع لا يدل على أنه لا يتطهر به، ولهذا لم يجمعوه للشرب مع طهارته، وحاجتهم للشرب آكد، ولم يجمعوه لغير الشرب كالعجن والطبخ والتبرد، فعدم جمعه ليس دليلًا على عدم طهوريته، ثم يقال أيضًا: لم يجمعوا أيضًا الماء المستعمل في طهارة مستحبة مع كونه طهورًا، ولا يبعد أن يكون هناك من يتوضأ مجددًا الوضوء، فلم ينهض هذا دليلًا على عدم الطهورية (٢).

[الدليل الثالث]

ما سبق أن ذكر من أن الماء المستعمل ليس ماء مطلقًا، بل هو مقيد بكونه ماء مستعملًا، والذي يرفع الحدث هو الماء المطلق كما في قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) [المائدة: ٦]، فلم يقيده بشيء، فالماء المستعمل حكمه حكم ماء الورد والزعفران والشاي وغيرها (٣).

ويجاب عن ذلك من وجهين:

الوجه الأول:

أن لفظ (ماء) في قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) [المائدة: ٦] نكرة في سياق النفي، فتعم كل ماء، سواء كان مستعملًا أو غيره، وسواء كان متغيرًا أم لم يتغير، ما دام أنه


(١) صحيح البخاري (٢٠١) ومسلم (٣٢٥).
(٢) أجاب الشافعية عن هذا الاعتراض بقولهم: بأن الصحابة تركوا جمعه للشرب لاستقذاره، فإن النفوس تعافه. لكن يقال: إذا كانت تعافه للشرب، فإنها لا تعافه للتطهر. انظر المجموع (١/ ٢٠٦).
(٣) ذكره دليلًا لهم ابن حزم في المحلى (١/ ١٨٩) ورده عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>