للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بإيمان، ولكنه إقرار من الطبيعة للرب، فطرة ألزمها قلوبهم، فكفونا بهذه المقالة أنفسهم» (١).

• الراجح من هذه الأقوال:

أن الفطرة في قوله: (كل مولود يولد على الفطرة) أي على خلقة يعرف بها ربه، إذا بلغ مبلغ المعرفة سالمًا في الأغلب خلقة وطبعًا، مهيأ لقبول الدين. وهذا الذي رجحه ابن عبد البر.

قال القرطبي: «وإلى ما اختاره أبو عمر، واحتج له غير واحد من المحققين، منهم ابن عطية في تفسيره في معنى الفطرة، وشيخنا أبو العباس.

قال ابن عطية: والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنه الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل معدة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر، لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه) فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة، وقال شيخنا في عبارته: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام، وهو الدين الحق، وقد دل على صحة هذا المعنى قوله: «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، يعني: أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة، سليمًا من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملًا بريئًا من العيوب، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه، ويوسم وجهه، فتطرأ عليه الآفات والنقائض، فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان، وهو تشبيه واقع، ووجهه واضح (٢).

* * *


(١) التمهيد (١٨/ ٩٠، ٩١).
(٢) تفسير القرطبي (١٤/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>