للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: فأوف بنذرك (١).

- ونوقش هذا:

بأن النذر إذا عقده الكافر وكان فيه بر لله فقد اختلف العلماء في وجوب الوفاء به على قولين.

أحدهما: يجب الوفاء بالنذر، ولو عقده حال كفره، وهو وجه عند الشافعية، ومذهب الحنابلة، واختيار أبي ثور، والطبري ونسب القول للبخاري، واحتجوا بالحديث.

والثاني: لا يجب الوفاء به، وبه قال أبو حنفية، ومالك، وجمهور الشافعية، وحملوا الحديث على الندب (٢).

وأرى أن حمل الحديث على الندب لا ينفي صحة الاستدلال بالحديث؛ لأن الاستحباب مبني على أن النذر قد انعقد حال الكفر، وليس نذرًا مستأنفًا.

[الدليل الخامس]

قالوا: لما لزمت الكافر النواهي، لزمه الأوامر؛ لأن الأوامر أحد قسمي الشرع، فصار كالقسم الآخر، والدليل على لزومهم النواهي إجماع الأمة في أن الكافر يحد إذا زنا، ويقطع إذا سرق، ولو لم يكن مكلفًا بترك الزنا والسرقة لم يكن الزنا والسرقة منه معصية، ولو لم تكن معصية لم يعاقب على فعله.

فإن قالوا: إنما وجب ذلك عليهم بالتزامهم أحكام الإسلام.

قيل: لزوم الأحكام بإلزام الله تعالى، لا بالتزام العبيد ذلك، ألا ترى أن الخطاب متوجه على جميع الكفار بالإيمان بالله عز وجل، وإن كانوا لم يلتزموا شيئًا من ذلك، ثم من أحكامنا أن لا يحد الإنسان على مباح، فلو كان الزنا غير محظور عليه، كان مباحًا، والحد لا يجب بارتكاب المباح.


(١) صحيح البخاري (٢٠٣٢)، ومسلم (١٦٥٦).
(٢) فتح الباري (١١/ ٥٨٢)، شرح النووي على صحيح مسلم (١١/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>