للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجه الاستدلال:

قال ابن خزيمة: لو كان ماء الفرث إذا عصر نجسًا لم يجز للمرء أن يجعله على كبده، فينجس بعض بدنه، وهو غير واجد لماء طاهر يغسل موضع النجس منه، فأما شرب الماء النجس عند خوف التلف إن لم يشرب ذلك الماء فجائز إحياء للنفس بشرب ماء نجس؛ إذ الله عز وجل قد أباح عند الاضطرار إحياء النفس بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير إذا خيف التلف إن لم يأكل ذلك. والميتة والدم ولحم الخنزير نجس محرم على المستغني عنه، مباح للمضطر إليه لإحياء النفس بأكله، فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النجس أن يحيي نفسه بشرب ماء نجس إذا خاف التلف على نفسه بترك شربه، فأما أن يجعل ماء نجسا على بعض بدنه، والعلم محيط أنه إن لم يجعل ذلك الماء النجس على بدنه لم يخف التلف على نفسه، ولا كان في إمساس ذلك الماء النجس بعض بدنه إحياء نفسه بذلك، ولا عنده ماء طاهر يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء، فهذا غير جائز ولا واسع لأحد فعله (١).

[الدليل السابع]

كان الحَبُّ في عهد الصحابة ومن بعدهم يداس في البيادر عن طريق الدواب، ولا بد أن يصيب الحبوب شيء من أبوالها وأرواثها، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته، ولا عن غيرهم أنهم كانوا يغسلون الحب بعد الفراغ من دياسها، فلو كانت نجسة لوجب غسلها، ولنقل الأمر بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يأمر بغسلها علم أن أبوالها طاهرة.

قال ابن تيمية حاكيًا عن عهد الصحابة: «فإنا نتيقن أن الأرض كانت تزرع، ونتيقن أن الحب لا يداس إلا بالدواب، ونتيقن أنه لا بد أن تبول على البيدر الذي يبقى أيامًا ويطول دياسها له، فهذه كلها مقدمات يقينية» (٢).


(١) صحيح ابن خزيمة (١/ ٥٣ - ٥٤).
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢١/ ٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>