مس أجنبية لشهوة، وكذلك إذا مسه لشهوة وجب أن يكون كما لو مس المرأة لشهوة في نقض الوضوء. والذي لم ينقض الوضوء بمسه يقول: إنه لم يخلق محلا لذلك، فيقال له: لا ريب أنه لم يخلق لذلك، وإن الفاحشة اللوطية من أعظم المحرمات، لكن هذا القدر لم يعتبر في باب الوطء، فإن وطئ في الدبر تعلق به ما ذكر من الأحكام، وإن كان الدبر لم يخلق محلا للوطء، مع أن نفرة الطباع عن الوطء في الدبر أعظم من نفرتها عن الملامسة، ونقض الوضوء بالمس يراعى فيه حقيقة الحكمة، وهو أن يكون المس لشهوة عند الأكثرين: كمالك، وأحمد، وغيرهما، كما يراعى مثل ذلك في الإحرام والاعتكاف وغير ذلك. وعلى هذا القول: فحيث وجد اللمس لشهوة تعلق به الحكم، حتى لو مس أمه وأخته وبنته لشهوة انتقض وضوؤه، فكذلك الأمرد، وأما الشافعي وأحمد في رواية فتعتبر المظنة، وهو أن النساء مظنة الشهوة، فينقض الوضوء، سواء بشهوة أو بغير شهوة، ولهذا لا ينقض لمس المحارم، لكن لو لمس ذوات محارمه لشهوة فقد وجدت حقيقة الحكمة، وكذلك إذا مس الأمرد لشهوة. والتلذذ بمس الأمرد: كمصافحته ونحو ذلك: حرام بإجماع المسلمين، كما يحرم التلذذ بمس ذوات محارمه والمرأة الأجنبية، بل الذي عليه أكثر العلماء أن ذلك أعظم إثما من التلذذ بالمرأة الأجنبية، كما أن الجمهور على أن عقوبة اللوطي أعظم من عقوبة الزنا بالأجنبية، فيجب قتل الفاعل والمفعول به. سواء كان أحدهما محصنا أو لم يكن، وسواء كان أحدهما مملوكا للآخر أو لم يكن، كما جاء ذلك في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل به أصحابه من غير نزاع يعرف بينهم.
ثم قال رحمه الله: والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم، والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر إلى أمه وأخته، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلومًا لكل أحد أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة (١).