رابعًا: الحنفية رحمهم الله خالفوا هذه المرة مقتضى قواعدهم، فإن أحاديث الآحاد عندهم دلالتها ظنية، والقرآن دلالته قطعية، وهم يردون أحاديث في الصحيحين مجمعًا على صحتها؛ لأن ظاهرها يخالف آية قرآنية أو قاعدة شرعية بحسب فهمهم، ومع ذلك عملوا بأحاديث الوضوء بالنبيذ مع أن أحاديثه تخالف ظاهر القرآن، ولا يسلم منها حديث واحد كما سبق.
ولو تجاهلنا كل هذه المخالفات من مخالفة الكتاب والسنة وقلنا: إن حديث الوضوء بالنبيذ قابل؛ لأن يكون حسنًا لغيره، فإننا نحمله على أن تسميته نبيذًا فيه تجاوز، وأن النبيذ الذي كان مع ابن مسعود لم يخرج عن رقة الماء وطبيعته وسيولته، وغاية ما فيه أنه ماء تغير بشيء طاهر، لم يخرج فيه عن مسمى الماء، كما لو تغير الماء بشيء طاهر ولم يخرج عن اسمه، ولذلك أطلق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ماء طهور، بقول: ثمرة طيبة وماء طهور، وسوف يأتي في قسم الماء الطاهر تحرير الخلاف في الماء إذا تغير بشيء طاهر إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
فخلصنا من هذا أن الحدث لا يرفع إلا بالماء الطهور، ويرفع أيضًا بالتيمم على خلاف هل التيمم رافع أم مبيح؟ وسوف يأتي تحريرها إن شاء الله تعالى في بحوث التيمم.
وأما إزالة النجاسة فهل يتعين الماء الطهور؟ أو تزال بأي مزيل، سيأتي إن شاء الله تعالى بحثها في بحوث النجاسات.