خاطبهم الله تعالى بالقرآن، فنحن نعلم قطعًا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرًا لغة، ولا شرعًا. وإن مشى مسافر ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعًا، كما أنا نحكم على أن من مشى يومًا وليلة كان مسافرًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها، وهذا هو الصحيح؛ لأنه وسط بين الحالين، وعليه عول مالك، ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقًا عليه، وروي مرة (يومًا وليلة) ومرة (ثلاثة أيام) فجاء إلى عبد الله بن عمر، فعول على فعله، فإنه كان يقصر الصلاة إلى رئم، وهي أربعة برد؛ لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .... وفي البخاري: وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد: وهي ستة عشر فرسخًا ... » (١).
والتقدير في أربعة برد مع كونه هو أصح ما روي عن ابن عمر، وهو ثابت أيضًا عن ابن عباس، فهو أحب إلى نفسي من تحكيم العوام في الرجوع إلى عرف يصعب ضبطه، وبدلًا من ترك الناس يتلاعبون في ركنين من أركان الإسلام، يكون الرجوع إلى التحديد بالمسافة يضبط للناس ما يترخصون فيه، وما لا يترخصون فيه من أحكام السفر، والله أعلم.
ومع ذلك إن أمكن ضبط العرف فالقول به قوي أيضًا رغم ما اعترض به عليه، والله أعلم.