وهذا أضعف الأقوال؛ لأن المعتبر في الأحداث ليس انتقالها، وإنما ظهورها، فالريح والبول والغائط والمذي وسائر الأحداث لا عبرة بانتقالها من مكانها حتى تخرج من البدن، فإذا خرجت بطلت الطهارة، فكذلك المني.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق وجوب الاغتسال بالرؤية.
قال ابن قدامة: «إن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على الرؤية، وفضخه، بقوله:(إذا رأت الماء) وقوله: (إذا فضخت الماء فاغتسل) فلا يثبت الحكم بدونه، وما ذكره من الاشتقاق لا يصح؛ لأنه يجوز أن يسمى جنبًا لمجانبته الماء، ولا يحصل إلا بخروجه منه، أو لمجانبته الصلاة، أو المسجد، أو غيرهما مما منع منه، ولو سمي بذلك مع الخروج لم يلزمه وجود التسمية من غير خروج، فإن الاشتقاق لا يلزم منه الاطراد، ومراعاة الشهوة للحكم لا يلزم منه استقلالها به، فإن أحد وصفي العلة وشرط الحكم مراعى له، ولا يستقل بالحكم، ثم يبطل بلمس النساء، وبما إذا وجدت الشهوة ها هنا من غير انتقال؛ فإن الشهوة لا تستقل بالحكم في الموضعين مع مراعاتها فيه، وكلام أحمد ها هنا إنما يدل على أن الماء إذا انتقل، لزم منه الخروج. وإنما يتأخر، ولذلك يتأخر الغسل إلى حين خروجه، إلخ كلامه رحمه الله تعالى (١).
• الراجح من الخلاف:
أرى والله أعلم أن الغسل يجب بخروج المني دفقًا بلذة، فإذا تخلف ذلك، فإن كان المانع من قبل الإنسان، بأن أمسك ذكره حتى لا يخرج المني على وجه الدفق، ثم خرج المني بعد ذلك، فإن الغسل يجب عليه، وإن كان المانع ليس من كسب الإنسان، فقد تخلف موجب الغسل، وهو خروجه دفقًا بلذة، والله أعلم.