أولًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلل بأن الماء يكون مستعملًا، ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قط بأن الماء يكون مستعملًا، هذا الكلام زيادة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانيًا: أن الحديث نص في الماء الدائم، وهو يشمل ما فوق القلتين، وما دون القلتين، وأنتم قلتم بأنه لا يكون مستعملًا إلا إذا كان دون القلتين، فهذه مخالفة ثانية للحديث. ثالثًا: أن الحديث نهي عن الاغتسال، وذلك يعني غسل البدن كله، وأنتم أدخلتم حتى الوضوء، بل أدخلتم ما دون ذلك، وذلك كما لو أدخل بعض أعضائه ناويًا رفع الحدث، فإن الماء يكون مستعملًا عندكم: أي طاهر، غير مطهر، فالحديث نص في الحدث الأكبر، فخالفتم الحديث، فأدخلتم الحدث الأصغر، بل حتى ولو غمس بعض أعضاء الحدث الأصغر. وهذه مخالفة ثالثة للحديث مع أن أبا هريرة قد أرشد إلى تناول الماء باليد، وهو نوع من إدخال العضو فيه، والتفريق بين اليد وغيرها تفريق بين متماثلين. رابعًا: الحديث نهى الجنب أن يغتسل في الماء ما دام جنبًا، سواءً نوى رفع الحدث، أو لم ينو؛ لأن معنى: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، أي لا يغتسل حالة كونه جنبًا، ولم يتطرق الحديث إلى اشتراط النية، وأنتم قلتم: لو انغمس، وهو جنب، ولم ينو رفع الحدث لا يكون الماء مستعملًا، بل يبقى طهورًا، وهذه مخالفة رابعة مع أن هذا لو كان له تأثير لكان من الأحكام الوضعية، والتي يفسد فيها الماء بمجرد الاغتسال ولو لم ينو، والله أعلم. فتبين بهذا أن القول بأن العلة حتى لا يكون الماء مستعملًا قول ضعيف، والله أعلم. (٢) عون المعبود (١/ ١٠١).