الحمد لله الذي خلقنا من تراب، وجعله لأمتنا خاصة من بين سائر الأمم مسجدًا وطهورًا، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه إلى يوم الدين ...
أما بعد، فهذا هو الكتاب الخامس والأخير من طهارة الحدث، وهو خاص بالتيمم، فطهارة الحدث تنقسم إلى قسمين كما أشرنا في مقدمة الطهارة:
طهارة أصلية: وهذه لا تكون إلا بالماء، وسبق لي البحث فيها.
وطهارة بدل: وهي الطهارة بالتراب عند فقد الماء، وتدخل في الحدث الأصغر والأكبر، ولا مدخل لها في طهارة الخبث على الصحيح. وهذا هو موضوع كتابنا هذا.
ومن عناية الشارع بطهارة الحدث أن جعل لها بدلًا عند فقد آلته (الماء) أو عند العجز عن استعماله، بخلاف طهارة الخبث فلم يجعل لها بدلًا، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن مكن عباده من الصلوات: التي هي صلة بين العباد وبين خالقهم حتى في حالة عدم التمكن من الطهارة المائية، ولو منع الإنسان من الصلاة إلا في حالة وجود الماء لربما قسا قلب العبد بسبب تركه للصلوات أيامًا وربما أسابيع بسبب عدم قيامه بما هو صلة بينه وبين ربه، فكان لطفًا من الله أن شرع التيمم مطهرًا بدلًا من الماء، ليكون العبد متهيئًا لمناجاة الله في أعظم ركن عملي، وهو الصلاة، وهو ما أشار الله إليه في آية التيمم، من كون الغاية من مشروعية التيمم رفع الحرج عن هذه الأمة، والغاية الثانية تطهيرها، قال تعالى:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)[المائدة: ٦].
فكان الأمر قبل مشروعية التيمم إما أن يدع الإنسان الصلاة إلى حين وجود الماء ثم يقضي تلك الصلوات، أو يدع الصلاة من غير قضاء، وكل هذا فيه ما فيه من