النوع الثالث: مشقة بين هذين النوعين، فما قرب من العليا أوجب التخفيف، وما قرب من الدنيا لم يوجب، وما توسط يختلف فيه لتجاذب الطرفين له (١)، فإذا وجدت مشقة في تحصيل القيام في الصلاة، وكان إدراك القيام سببًا في التأثير على الخشوع سقط القيام، وإن كان يمكنه أن يفعل، ولكن مع المشقة العظيمة، وإذا كان يشق على المريض الصيام بسبب المرض، ويجد من ذلك حرجًا ومشقة أبيح له الفطر، ولو كان يمكنه أن يقوم بالصيام ولكن مع المشقة الكبيرة، وهكذا نقول في التيمم، إذا كان يلحقه باستعمال الماء مشقة كبيرة، أبيح له التيمم بصرف النظر هل التيمم يزيد في مرضه أو يؤخر في برئه، والله أعلم.
فإن قيل: ما ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها؟
ذكر القرافي في الذخيرة ما معناه: إذا سألنا الفقهاء عن ذلك، قالوا: يرجع إلى العرف، فيحيلون على غيرهم، ويقولون: لا نحد ذلك، فلم يبق بعد الفقهاء إلا العوام، والعوام لا يصح تقليدهم في الدين.
جوابه: هذا السؤال له وقع عند المحققين، وإن كان سهلًا في بادي الرأي، ونحن نقول: ما لم يرد الشرع بتحديده يتعين تقريبه بقواعد الشرع؛ لأن التقريب خير من التعطيل لما اعتبره الشرع، فنقول: على الفقيه أن يفحص عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال، ثم ما ورد عليه بعد ذلك من المشاق مثل تلك المشقة أو أعلى، جعله مسقطًا، وإن كان أدنى لم يجعله، مثاله: التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بحديث كعب بن عجرة، فأي مرض آذى مثله أو أعلى منه أباح، وإلا فلا، والسفر مبيح للفطر بالنص، فيعتبر به غيره من المشاق، والعبادات مشتملة على مصالح المعاد، فلا يليق تفويتها بمسمى المشقة، ولذلك