للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك الوقت رحمة الله عليه» (١).

قلت: ليست القسمة أن يقع في قلب عمر تصديق عمار، أو تكذيبه، بل هناك قسم ثالث، وهو أن يقع في قلبه خطأ عمار، وقد قال لعمار: نوليك ما توليت (٢)، يعني: أنت تتحمل مسؤولية هذا البلاغ، وأنا برئ من هذا، فهو في أحسن أحواله لا يذكر شيئًا، ولذلك قال عمر لعمار: اتق الله يا عمار (٣)، فهذا دليل على أنه لم يقنع بكلام عمار.

وقال الباجي: «والذي يظهر لي من قولهما أنهما إنما منعا ذلك للذريعة، وذلك أن أبا وائل روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لو رخصنا لهم فيها لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتمم» (٤).

وهذا الكلام يمكن أن يصدق على ابن مسعود وحده، ولا يصدق هذا الكلام على عمر، وذلك لأن عمر قد وعظ عمارًا حين ذكر له قصة التيمم، وقال له: اتق الله يا عمار، وأخبره بأنه لا يذكر شيئًا، وأما عن ابن مسعود فهو ثابت عنه، وفيه إشكال كبير، ولا بد من توجيهه، فالعمل في سد الذرائع سائغ بشرط ألا يؤدي ذلك إلى إسقاط واجب، أو ارتكاب محرم، فالجنب إذا منعناه من التيمم كان معنى ذلك إما أن يدع الصلاة إلى أن يجد الماء، أو يصلي بدون طهارة، وكلا الأمرين حرام، ثم لو صح كلام ابن مسعود في الجنب إذا تيمم مع وجود الماء خوفًا من البرد، لم يصح كلامه في الجنب إذا تيمم لفقد الماء، وعمر وابن مسعود يمنعان الجنب من التيمم مطلقًا مع عدم الماء، ومع وجوده والخوف من استعماله، فلا بد من توجيه كلام ابن مسعود رضي الله عنه، خاصة أنه من كبار فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، فيقال: إن

ابن مسعود ذكر سببًا واحدًا من الأسباب التي حملته على القول بعدم تيمم الجنب، ولم


(١) التمهيد (١٩/ ٢٧٣).
(٢) مسلم (٣٦٨).
(٣) مسلم (٣٦٨).
(٤) المنتقى (١/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>