للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثانيًا: لم يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لحكم الماء، ولم يقل إنه أصبح نجسًا بمجرد البول فيه، فالحديث ليس فيه إلا النهي عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال فيه.

ثالثًا: أن الماء الدائم يشمل ما فوق القلتين، وما دون القلتين وما يشق نزحه وما لا يشق، وما يتحرك آخره بتحرك طرف منه وما لا يتحرك.

قال ابن القيم: «إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم، ثم يغتسل البائل فيه، هكذا لفظ الصحيحين: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) وأنتم تجوزون أن يغتسل في ماء دائم قدر القلتين بعد ما بال فيه، وهذا خلاف صريح للحديث.

فيقال لصاحب القلتين: أتجوز بوله في الماء فيما فوق القلتين؟

إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن منعته فقد نقضت دليلك.

وكذلك يقال لمن حده بمشقة النزح أو بالتحريك.

أما تفريق الظاهرية رحمهم الله فإنه غريب جدًّا، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم، مع أنه قد يحتاج إليه، فلأن ينهى عن البول في إناء ثم يصبه فيه بطريق الأولى. ولا يستريب في هذا من علم حكمة الشريعة وما اشتملت عليه من مصالح العباد ونصائحهم، والظاهرية البحتة تقسي القلوب، وتحجبها عن رؤية محاسن الشريعة وبهجتها، وما أودعته من الحكم والنصائح والعدل والرحمة (١).

وعلق النووي على هذا المذهب، فقال: «وهذا مذهب عجيب وفي غاية الفساد، فهو أشنع ما نقل عنه إن صح عنه رحمه الله، وفساده مغن عن الاحتجاج عليه، ولهذا أعرض جماعة من أصحابنا المعتنين بذكر الخلاف عن الرد عليه بعد حكايتهم مذهبه، وقالوا: فساده مغن عن إفساده، وقد خرق الإجماع في قوله (في الغائط) إذ لم يفرق أحد بينه وبين البول، ثم تفريقه بين البول في نفس الماء، والبول في إناء ثم يصب في


(١) تهذيب السنن (١/ ٦٦)، ومجموع الفتاوى (٢١/ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>