للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثانيًا: أن الرجس هنا وصف بقوله: (من عمل الشيطان) فهو رجس عملي، أي معنوي، وليس رجسًا حسيًّا، ولذلك قال القرطبي: من عمل الشيطان: أي بحمله وتزيينه.

ثالثًا: الرجس في كلام الشارع أكثر ما جاء في النجاسة المعنوية، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) [الأحزاب: ٣٣]، وقال تعالى: (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [يونس: ١٠٠]، وقال تعالى: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: ١٢٥]، وقال سبحانه: (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) [الأعراف: ٧١]، وقال سبحانه: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة: ١٢٥]، وقال سبحانه: (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ) [التوبة: ٩٥]، وقال: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ) [الحج: ٣٠].

فإذا كان الأكثر في كلام الشارع إطلاق الرجس على النجاسة المعنوية، كما مر معنا في الآيات السابقة، والميسر والأنصاب والأزلام يراد بها النجاسة المعنوية، والخبر هنا إخبار عن الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، فالقول بأن الرجس في الخمر وحده فقط دليل على النجاسة الحسية، وعلى غيره مما قرن معه يراد به النجاسة المعنوية فيه نوع تحكم لا دليل عليه.

ولذلك لم ير النووي -وهو ممن يرى نجاسة الخمر- في الآية نصًا على نجاسة الخمر، حيث يقول رحمه الله:

«ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة لأن الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة، وكذا الأمر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة» (١).

(١١٧٩ - ١٥٠) رابعًا: ساق ابن جرير الطبري من طريق عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة،


(١) المجموع (٢/ ٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>