للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجواب ثان: وهو أن شرع من قبلنا شرع لنا، فيحتمل أن يكون قد اتبع في الصلاة شرع من قبله من النبيين، فأوجب ذلك اتباعهم، وتأخر الأمر به بنص شرعنا عن ذلك الوقت.

والذي يرجح أن المراد بالثياب اللباس الظاهر أننا لو حملنا الثياب على ترك المعاصي لكان في سياق الآيات تكرار، فإن قوله: وثيابك فطهر والرجز فاهجر؛ فإن هجر الرجز من معانيه هجر المعاصي، فتكون هذه قرينة على أن المراد بالثياب اللفظ الحقيقي المتبادر إلى الذهن، وهو طهارة اللباس الظاهر.

وهذا الكلام جيد، إلا أن التعميم بعد التخصيص، والتخصيص بعد التعميم كلاهما وارد في كتاب الله.

فمن الأول قوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم: ٤].

فإن جبريل من الملائكة، فذكر الله سبحانه وتعالى عموم الملائكة بعد تخصيص جبريل بالذكر، وهذا منه.

ومثال التخصيص بعد التعميم، قوله تعالى: (مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) [البقرة: ٩٨].

فهنا ذكر الملائكة على سبيل العموم ثم خص بالذكر جبريل وميكال،

ومثله قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الْوُسْطَى) [البقرة: ٢٣٨]، وليس هذا على وجه التكرار، بل لمزيد عناية واهتمام.

والقول بأن شرع من قبلنا شرع لنا فنكون مخاطبين بطهارة الثياب من النجاسة، هذا القول بعيد عن الصواب، فإن الصحابة لم ينقل عنهم أنهم كانوا يصلون على طريقة أهل الكتاب، ولم يكلفوا بالصلاة إلا بعد الإسراء، وهل يقول أحد: بأن أول الإسلام كان المسلمون مخاطبين في تعلم ديانة أهل الكتاب أو غيرها من الديانات؛

<<  <  ج: ص:  >  >>