وقوله: على خلاف الرأي، يقصد به في بادي الرأي، وإلا فالشرع
لا يخالف العقل إذا كان النظر صحيحًا، لكن العقل عاجز عن إدراك الحكمة في كل أوامر الله، وإلا فالله لا يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، ولا يأمر ولا ينهى إلا لحكمة وهو الحكيم العليم.
وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على سنن الترمذي:«وأمر الحائض بقضاء الصوم وترك أمرها بقضاء الصلاة، إنما هو تعبد صرف لا يتوقف على معرفة حكمته، فإن أدركناها فذاك، وإلا فالأمر على العين والرأس، وكذلك الشأن في جميع أمور الشريعة، لا كما يفعل الخوارج، ولا كما يفعل كثير من أهل هذا العصر، يريدون أن يحكموا عقولهم في كل شأن من شؤون الدين، فما قبلته قبلوه، وما عجزت عن فهمه وإدراكه أنكروه وأعرضوا عنه، وشاعت هذه الآراء المنكرة بين الناس، وخاصة المتعلمين منهم، حتى ليكاد أكثرهم يعرض عن كثير من العبادات، وينكر أكثر أحكام الشريعة في المعاملات اتباعًا للهوى، ويزعمون أن هذا هو ما يسمونه روح التشريع، أو حكمة التشريع، وإنه ليخشى على من يذهب هذا المذهب الرديء أن يخرج من ساحة الإسلام المنيرة إلى ظلام الكفر والردة، والعياذ بالله من ذلك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا باتباع الكتاب والسنة، والاهتداء بهديهما»(١).
وقد تلمس بعض العلماء الحكمة من التفريق بين الصلاة والصيام،
قال ابن رجب: «وقد فرق كثير من الفقهاء من أصحابنا وأصحاب الشافعي بين قضاء الصوم والصلاة بأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات، والحيض لا تخلو منه كل شهر غالبًا، فلو أمرت الحائض بقضاء الصلاة مع أمرها بأداء الصلاة في أيام طهرها لشق ذلك عليها، بخلاف الصيام فإنه إنما يجيء مرة واحدة في السنة فلا يشق قضاؤه.