يحتمل قوله: (دينار أو نصف دينار) ثلاثة أمور. أحدها: أن يكون تخييرًا. ويبطل هذا بأن يقال: التخيير لا يكون إلا بعد طلب، وهذا وقع بعد الخبر، إذ حكم التخيير الاستغناء بأحد الشيئين؛ لأنه إذا خير بين الشيء وبعضه، كان بعض أحدهما متروكًا بغير بدل. الأمر الثاني: أن يكون شكًّا من الراوي. الثالث: أن يكون باعتبار حالين. وهذا هو الذي يتعين منها، ونبينه الآن فنقول: قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار. قال أبو داود: «كذا الرواية الصحيحة: (بدينار أو بنصف دينار) وربما لم يرفعه شعبة. وهذا ليس فيه توهين له، لاحتمال أن يكون عنده فيه المرفوع، والموقوف، ويكون ابن عباس رضي الله عنه قد رواه، ورآه فحمله، وأفتى به. قلت: فرق بين أن يرويه موقوفًا، أو أن يسأل فيفتي به، والمحدثون يفرقون بين هذا وهذا، وإن كان الفقهاء لا يفرقون بين الرواية والفتوى، فيحملون الموقوف على المرفوع ظنًا منهم أن هذا منه من قبيل الفتوى، ولا يتمشى هذا على طريقة المحدثين، بل إن المحدثين يذهبون إلى أبعد من هذا فيفرقون بين ما سمعوه في المذاكرة، وإن كان على سبيل الرواية، وبين غيره؛ لأن المذاكرة قد يتساهل الشيخ في النص المروي .. فلله درهم، وأين هذا من طريقة الفقهاء والأصوليين فيما إذا تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف، فإنهم يحكمون لمن وصله أو رفعه مطلقًا ما دام أن الراوي مقبول الرواية! ! نعود إلى كلام ابن القطان ... قال: «فأما طريق أبي داود فصحيح، فإن عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب اعتمده أهل الصحيح، منهم البخاري، ومسلم، ووثقه النسائي والكوفي. ويحق له، فقد كان محمود السيرة في إمارته على الكوفة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ضابطًا لما يرويه، ومن دونه في الإسناد لا يسأل عنهم. =