للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بينما حديث حذيفة في مسلم ظاهره يعارض حديث ابن مسعود. فبداية التخلق كما أرشد إليها حديث حذيفة الغفاري يكون بعد اثنتين وأربعين ليلة،

(٢٠٣٢ - ٤٩٢) فقد روى مسلم من طريق ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي أن عامر بن واثلة حدثه،

أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره. فأتى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا، فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص (١).

ومر معنا رأي الأطباء بما يوافق حديث حذيفة. فقد ذكرنا عن الأطباء أن النطفة الأمشاج تبقى إلى اليوم السادس، ففي اليوم السادس أو السابع تتحول إلى علقة، بحيث تعلق في جدار الرحم.

وفي الاسبوع الرابع (٢١ - ٣٠) مخصص لظهور الكتل البدنية، والأسبوع الخامس والسادس، لتحول الكتل البدنية إلى قطاع عظمي وعضلي، والأسبوع السادس والسابع: لتكسى العظام بالعضلات. وهكذا يبقى في الرحم جنينًا مخلقًا في الأسبوع السابع (٢).


(١) مسلم (٢٦٤٥).
(٢) وهذا التقدير موافق تقريبًا ما ذكره ابن القيم قال في التبيان (ص: ٣٣٦)، ونقله الحافظ في الفتح ببعض التصرف كعادته (١١/ ٥٨٨) ح ٦٥٩٤، قال ابن القيم: «اقتضت حكمة الخلاق العليم سبحانه وتعالى أن جعل داخل الرحم خشنًا كالإسفنج .. وجعل فيه طلبًا للمني وقبولًا له كطلب الأرض الشديدة العطش للماء، وقبولها له، فجعله طالبًا حافظًا، مشتاقًا إليه بالعطش،
فلذلك إذا ظفر به، ضمه، ولم يضيعه، بل يشتمل عليه أتم الاشتمال، وينضم أعظم انضمام، لئلا يفسده الهواء، فيتولى القوة والحرارة التي هناك بإذن الله ملك الرحم، فإذا اشتمل على المني، ولم يقذف به إلى خارج، استدار على نفسه وصار كالكرة في الشدة إلى تمام ستة أيام (وقد ذكرت فيما سبق عن الأطباء أن نطفة الأمشاج تبقى ستة أيام قبل أن تتحول إلى علقة) فإذا اشتد نقط نقطة في الوسط، وهو موضع القلب، ونقطة في أعلاه وهي نقطة الدماغ، وفي اليمين: وهي نقطة الكبد. ثم تتباعد تلك النقط، ويظهر بينها خطوط حمر، إلى تمام ثلاثة أيام أخر، ثم تنفذ الدموية في الجميع بعد ستة أيام أخر، فيصير ذلك خمسة عشر يومًا، ويصير المجموع سبعة وعشرين يومًا، ثم ينفصل الرأس عن المنكبين، والأطراف عن الضلوع، والبطن عن الجنبين، وذلك في تسعة أيام، فتصير ستة وثلاثين يومًا، ثم يتم هذا التمييز بحيث يظهر للحس ظهورًا بينًا في تمام أربعة أيام، فيصير المجموع أربعين يومًا تجمع خلقه، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا)، واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإجمال عن التفصيل، وهذا يقتضي أن الله قد جمع فيها خلقًا جمعًا خفيًا، وذلك الخلق في ظهور خفي على التدريج» اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>