الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتدى بهديه.
أما بعد، فهذا المجلد الثاني من كتاب طهارة الحدث، وإذا كان الكتاب السابق قد جلَّى أحكام (الطَّهور) بفتح الطاء، أي الماء المتطهر به، فإن هذا المجلد والذي يليه سيعرض إن شاء الله لأحكام (الطُّهور) بضم الطاء، أي فعل التطهير. وبدأت بالطهارة من الحدث الأصغر لأن الله قدمها على الطهارة الكبرى، فقال تعالى:(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم .... )[المائدة: ٦].
ثم قال سبحانه:(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[المائدة: ٦].
ولكثرة دورانه وتكراره، ولكون تجديده مقصودًا، ولكثرة فضله، فهو مختص بالوضوء: فرائضه وسننه ونواقضه، والطهور له منزلة عظيمة في الشريعة بل جعله النبي صلى الله عليه وسلم شطر الإيمان (١)، إذا فسر الإيمان بالصلاة كما في قوله تعالى:(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)[البقرة: ١٤٣]، أي صلاتكم.
فالصلاة والتي هي أعظم أركان الإسلام العملية جعل الوضوء شطرها، ذلك أن الصلاة لا تقبل إلا بطهور، فكأن الطهور يؤهل المسلم للقيام بهذه الشعيرة.
والوضوء من العبادات التي يكون تارة وسيلة لغيره من صلاة ومس مصحف، ونحو ذلك، وتارة يكون مقصودًا لذاته، بحيث يستحب للمسلم أن يتوضأ بقصد تحصيل فضيلة الطهارة، وقد عقدت فصلًا في فضل الوضوء ضمن خطة البحث،