للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهل يجب على كافر وضوء، فيه خلاف، وهذه المسألة ترجع إلى مسألة أصولية، وهي هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟

وللجواب على هذا أن نقول:

[م-٦٧] أما مخاطبة الكفار بأصول الدين من التوحيد والإقرار بالنبوات ونحوها فهذا إجماع لا نزاع فيه، قال تعالى: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف: ١٥٨].

[م-٦٨] واختلفوا هل يخاطبون بالفروع أم لا؟ على أربعة أقوال:

القول الأول: ذهب بعض الحنفية (١) واختاره أبو حامد الاسفراييني من الشافعية (٢)، إلى أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة، فيكون الإسلام عندهم شرط وجوب للوضوء.

القول الثاني:

وذهب الجمهور إلى أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة، فهو عندهم شرط للصحة لا للوجوب (٣).


(١) وهو قول البخاريين والسمرقنديين من أصحاب أبي حنيفة، انظر أصول السرخسي (١/ ٧٤)، شرح المحلى على جمع الجوامع (١/ ٢١٢)، تيسير التحرير (٢/ ١٤٨).
(٢) انظر قواطع الأدلة (١/ ١٨٧).
(٣) وهو قول العراقيين من الحنفية، ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة، انظر أصول السرخسي (١/ ٧٤)، تفسير القرطبي (٢/ ٣٠٠)، و (٤/ ١٤٦)، إعانة الطالبين (٣/ ٢٤)، الإنصاف (١٠/ ٢٣٣)، و (٤/ ١٦٠)، كشاف القناع (١/ ٢٢٣)، و (٥/ ١١٥)، حاشية البجيرمي (١/ ١٦٢).
وقال النووي في المجموع (٣/ ٥): وأما الكافر الأصلي فاتفق أصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الإسلام، فأما في كتب الأصول فقال جمهورهم: هو مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان.
وقيل: لا يخاطب بالفروع.
وقيل: يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والسرقة والخمر والربا وأشباهها، دون المأمور به كالصلاة. ...
قال النووي: والصحيح الأول، وليس هو مخالفًا لقولهم في الفروع؛ لأن المراد غير المراد هناك، فمرادهم في كتب الفروع أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم، وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي، ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة، ومرادهم في كتب الأصول أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعًا، لا على الكفر وحده، ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا، فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين، وفي الفروع حكم الطرف الآخر، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>