للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما قول الزيلعي رحمه الله: أن غسل الجمعة ليس بواجب؛ لأنه قرنه بما لا يجب اتفاقًا -يعني السواك والطيب- وكأنه لم يعتمد خلاف داود وإسحاق في وجوب السواك خلافًا معتبرًا؛ لأنه حكى الاتفاق بأنه لا يجب في السواك (١).

وقال النووي، كما في نيل الأوطار: «لو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفه في انعقاد الإجماع، على المختار الذي عليه المحققون، والأكثرون، قال: أما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه» (٢).

وقال الشوكاني رحمه الله متعقبًا كلام النووي في عدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه، وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستدل لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين. فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة، فهي بالنسبة لمقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبادلة؛ فإن التعويل على الرأي، وعدم الاعتناء بعلم الأدلة، قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر. وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر، وجموده عليه في غاية الندرة، ولكن: لهوى النفوس سريرة لا تعلم (٣).

قال الذهبي في السير: «للعلماء قولان في الاعتداء بخلاف داود وأتباعه، فمن اعتد بخلافهم، قال: ما اعتدادنا بخلافهم؛ لأن مفرداتهم حجة، بل لتحكى في الجملة. وبعضها سائغ، وبعضها قوي، وبعضها ساقط. ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي.

ومن أهدرهم، ولم يعتد بهم لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين،


(١) نصب الراية (١/ ٨٨).
(٢) نيل الأوطار (١/ ١٣٤).
(٣) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>