الأعيان، وفرض على الكفاية، وفرض منذور وفرض غير منذور، ومن هنا يظهر كيفية تعلقها بالفعل فإنها للتمييز، وتمييز الشيء قد يكون بإضافته إلى سببه كصلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين، وقد يكون بوقته كصلاة الظهر أو بحكمه الخاص به كالفريضة، أو بوجود سببه كرفع الحدث، فإن الوضوء سبب في رفع الحدث، فإذا نوى رفع الحدث ارتفع وصح الوضوء، ولما كانت حكمة مشروعيتها ما ذكر كانت القرب التي لا لبس فيها لا تحتاج إلى نية، كالإيمان بالله، وتعظيمه، وجلاله، والخوف من عذابه، والرجاء لثوابه، والتوكل عليه، والمحبة لجماله، وكالتسبيح، والتهليل، وقراءة القرآن وسائر الأذكار، فإنها متميزة لجنابه سبحانه وتعالى، وكذلك النية منصرفة إلى الله سبحانه وتعالى بصورتها فلا جرم، ولم تفتقر النية إلى نية أخرى، ولا حاجة للتعليل بأنها لو افتقرت إلى نية أخرى لزم التسلسل، وكذلك يثاب الإنسان على نية مفردة ولا يثاب على الفعل مفردًا، لانصرافها بصورتها لله تعالى، والفعل متردد بين ما هو لله تعالى وما هو لغيره، وأما كون الإنسان يثاب على نيته حسنة واحدة وعلى فعله عشر حسنات إذا نوى فلأن الأفعال هي المقاصد والنيات وسائل، والوسائل أنقص رتبة من المقاصد، وعلم من الحكمة المذكورة: أن الألفاظ إذا كانت نصوصًا في شيء لا يحتاج إلى نية، وكذلك الأعيان المستأجرة إذا كانت المنافع المقصودة فيها متعينة لم تحتج إلى تعيين، كمن استأجر قميصًا أو عمامة أو خباءً أو نحو ذلك، وكذلك النقود إذا كان بعضها غالبا لم يحتج إلى تعيينه في العقد وكذلك الحقوق إذا تعينت لربها كالدين الوديعة ونحوها.
ولملاحظة هذه الحكمة اختلف العلماء في النية في صوم رمضان وفي الوضوء ونحوهما، فمن رأى أنهما متعينان لله تعالى بصورتهما قال: لا حاجة إلى النية فيهما، ومن رأى أن الإمساك في رمضان قد يكون لعدم الغذاء ونحوه وقلما يكون لله تعالى، وأن الوضوء قد يكون لرفع الحدث أو للتجديد أو للتبرد، أوجب النية.