وقد استدل ابن حزم على النسخ بوجه آخر، حيث قال: وهذا خبر صحيح - يعني حديث طلق - إلا أنه لا حجة فيه لوجوه: أحدها: أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج، هذا لا شك فيه، فإذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقينًا حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج، فلا يحل ترك ما يتيقن أنه ناسخ، والأخذ بما تيقن أنه منسوخ. وثانيها: أن كلامه عليه السلام (هل هو إلا بضعة منك) دليل على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل بعده هذا الكلام، بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلًا، وأنه كسائر الأعضاء».اهـ وكلام ابن حزم مبني على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه قال: (وهل هو إلا بضعة منك) وهذا الذي لم يترجح لي حسب البحث حتى الآن، فلو ثبت أن ذلك من كلامه صلى الله عليه وسلم لامتنع أيضًا أن يقال بالنسخ، وذلك أن الحكم إذا ربط بعلة لا يمكن أن تزول، كان الحكم أولى بأنه لا يزول، فالذكر بضعة منا، هذه العلة في عدم الطهارة من مس الذكر ثابتة لا يمكن أن يتصور زوالها، فكان الحكم المترتب عليها كذلك، لكن قد علمت ضعف حديث طلق بن علي. فتلخص من هذا أن من قدم حديث بسرة قدمه لأمور: الأول: الاعتبار برجال الإسناد، فرجال إسناد حديث بسرة أرجح من رجال إسناد حديث طلق. الثاني: قدمه باعتبار أنه حديث ناسخ لحديث طلق بن علي. الثالث: قدمه باعتبار أنه ناقل عن البراءة الأصلية، وحديث طلق على البراءة، وإذا تعارض حديثان أحدهما يوافق البراءة الأصلية، والآخر ينقل عنها، ويشغل الذمة كان الناقل مقدمًا. الرابع: أن رواة النقض بمس الذكر أكثر، وأحاديثه أشهر، فقد ورد فيه حديث بسرة وأبي هريرة وأم حبيبة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأيوب وغيرهم، بخلاف حديث طلق، فإنه حديث غريب. الخامس: لو قدر تعارض الحديثين من كل وجه لكان الترجيح لحديث النقض لكونه قول أكثر الصحابة كما نقلته عن أحمد بن حنبل في معرض البحث. وأما من رجح حديث طلق: فمنهم عمرو الفلاس، قال كما في تلخيص الحبير، قال: هو عندنا أثبت من حديث بسرة. وقال علي بن المديني: هو عندنا أحسن من حديث بسرة. =